تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الإخوان المسلمون في مصر، والرفاه في تركيا، والإخوان المسلمون في الأردن ومشروع الكتلة الواحدة في الإنتخابات البرلمانية، وحزب الإصلاح اليمني (إخوان وخلائط) والنهضة التونسية مع شخصيات المعارضة المهترئة، كل هذه التحالفات منطلقها تحقيق مصالح العباد دون النظر إلى قيمة الدين ومصلحته، وهو خلاف ما ورد في الشريعة أن مصلحة الدين مقدمة على كل مصالح الوجود من مال وعرض وعقل ونفس. فإن الأموال تنفق في سبيل هذا الدين، والنفوس تبذل في سبيل هذا الدين، كل هذا لا قيمة له عندهم ويرونه من التخلف الفكري والجمود السياسي والسلفية الجامدة فيا ضيعة هذا الدين على أيدي هؤلاء الورثة.

ولذلك نجدهم أبعد الناس عن مفهوم الولاء والبراء على أساس ما هو للغيب والآخرة وأبعد الناس عن قوله صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، بل إن الكثير منهم يقول عين ما يقوله حسن حنفي في هذا الباب: دعونا من الخصومات حول الله وصفاته والآخرة وأهميتها ولنرجع إلى همومنا السياسية والإقتصادية والاجتماعية.

هذا على مستوى التطبيق في العمل.

أما تأثر الإسلامين بهذه العقيدة على مستوى الخطاب، فهو أمر قلما خلا منه تيار إسلامي سواء كان دعوياً أو سياسياً أو جهادياً (إلا من رحم ربي).

واختصار وصف هذه الظاهرة المبتدعة نقول:

النهضة بالأمة عندنا هي بتحقيق العبودية لله وذلك بالإيمان بالله تعالى وتصفية النفس من علائق الشهوات للوصول إلى الإخلاص الكلي للدار الآخرة (الآخرة بمفهوم شرعي صحيح بعيد عن التأثر الصوفي الفاسد)، ومهمة الدعاة إلى الله بيان الأعمال الشرعية التي تحقق هذا الهدف، فما من عمل يطلبه الداعي من الأمة إلا وهو محتف بغلاف تحقيق الرضا الإلهي وبلوغ الجنة، وقد جعل الله الدنيا تبعا لهذا الأمر، وقد تفوت الدنيا، وفواتها لا يؤثر على إقبال المرء على العمل في شىء. وكلما ازداد المرء والشعب قربا من الله وأخلصوا أعمالهم لله وامتلأت قلوبهم بحب الدار الآخرة كلما حقق الداعي إلى الله وصاحب الكلمة هدفه. فليس المقصود ذات العمل فقط ولكن لب العمل وجوهره هو تحقق العبودية في قلب الإنسان.

على ضوء هذا فكل خطاب ينتسب إلى الإسلام ولا يملأ الأمة بهذا فهو خطاب ليس من الإسلام في شىء وإن إدعى صاحبه إسلاميته.

حين نطلب من الأمة أن ترتقي في درجات الوعي والعلم فهو من أجل هذا. وحين نطلب من الأمة أن تجاهد فهو من أجل هذا، وحين نطلب منها أن تثور على طواغيتها فهو من خلال هذا الإطار وهذا البعد.

فالداعي إلى الله لم يسق الناس إلى أهداف الإسلام وإلى تحقيق سلطان الله في الأرض من خلال شهوات زائلة، ومن أجل رغيف خبز، ولا من أجل أرض مغصوبة، لكننا نسوق الناس إلى أعمال البر والتقوى من أجل تحقيق رضا الله والدار الآخرة.

إن هناك فرقا كبيرا بين أن تدعو الناس بآية من كتاب الله تعالى فتملأ جوانحهم بالرغبة فيما عند الله تعالى وبين أن تقول لهم: إنك عاري وإنك جوعان فثر لبطنك وبدنك. وهذا الذي نقوله لا يعني أبدا أن لا نستخدم نتائج الجاهلية فيما يرى الناس ويعيشونه من أجل تبغيض الناس بها ومن أجل تنفير الناس عنها، ولكن هناك فرق بين أن يكون هذا تبعا أو أن يكون هذا الخطاب هو الأصل وفقط.

ونقطة أخرى في الفرق بين خطاب القرآن والسنة وخطاب السياسين المعاصرين، أو بمعنى آخر: الفارق بين الخطاب السلفي الصارم والخطاب السياسي المتميع، هو كشف خطاب كل واحد منهما لهم الداعي الداخلي، فالرجل الذي لا يثور ولا يتحرك عندما يرى الشرك في العبادات من عبادة قبور والتجاء إلى الأضرحة، ثم تثيره عندما يرى أعظم جرائم الوجود عنده هو اغتصاب السلطة عن طريق الغلبة والقوة، لهو دليل على أن سلم الأولويات لديه مختل جاهل بحساب الشرع والدين، ولذلك هو عدو لمعاوية رضي الله عنه، صديق وولي للصوفية والمشعوذين والقبوريين، ثم يلتقي مع الإسلاميين الذين هم ضد السلطة حتى ولو كانوا من أفسد الناس نظرا لقضايا التوحيد والعبادة، أما الخطاب السلفي فإنه يكشف هم الرضى الإلهي والنظر الأخروي، وعلى ذلك تستطيع أن ترى الفارق بين الأمرين جلياً في الكثير من الأمور والقضايا والأحكام ونوع الخطاب.

إن هذا الخطاب له مقدمات في نفوس هؤلاء الدارسين والخطباء في الصف الإسلامي -لعلنا نأتي على بعضها يوما ما- لكن أهمها هو حالة الإعجاب والإنبهار بما وصل إليه الآخرون من بناء للدول والتنظيمات والإطلاع على كتبهم من أجل المعرفة والتعلم والتلقي، وأمر آخر هو أن هؤلاء هم من أجهل الناس بحقيقة هذا الدين، والعظيم فيهم من أخذ منه شيئاً يسيرا في صباه، ثم رأى في نفسه صلاحية الحديث عن روح الدين وقواعده العامة.

إن من إمانة هذا الدين وحقه علينا وفي أعناقنا هو أن نكشف نهايات وفروع هذه الأفكار المنحرفة في داخل صفوفنا، وهو أمر شاق وعسير لأنه متقنع بلباس الإسلام وراية السلفية ودعوى الثورية والجهاد.

وأخيرا إن الخطورة من أمثال هؤلاء الزنادقة من أمثال حسن حنفي هي كخطورة الفلاسفة في تاريخنا على الفقهاء والمتكلمون فلئن عجز الفلاسفة أن يقودوا الأمة وتياراتها فإنهم لم يعدموا الشر بأن يتنشق المتكلمون والفقهاء والمفكرون زمرمة هذه الفلسفة ويعيدوا صياغة الشريعة والدين على أساسها.

والله الحافظ لدينه وقرآنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير