تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الشيخ الشاب لم يتجاوز الخامس والعشرين من عمره، وكان من المجدِّين المجتهدين على أنفسهم، وكان ترتيبه الأول على الأردن في " الثانوية العامة / شريعة "، وقد رزقه الله همَّة عالية، بذلها في حفظ كتاب الله تعالى وحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحفظ المتون الفقهية والعقيدية والحديثية وغيرها.

ولم يكن ميسور الحال، فقد كان شابّاً غير عامل، وأول ما جاء إلى أحد شيوخه – وهو الشيخ رمضان الجلاَّد – وقد دلَّه على سماع أشرطة الشيخ ابن عثيمين، اعتذر بأنه لا يملك مسجلاًّ!.

وقد اتصل بي يريد شفاعة للوصول للشيخ يحيى اليحيى – ولم أكن أعرفه وقتذاك عن قرب – فأعلمته بالطريقة التي يتصل بها بالشيخ.

فسافر إلى مكة المكرمة لحضور دورة حفظ الصحيحين عند الشيخ يحيى اليحيى فأتمهما، ثم السنن الأربعة، ثم الموطأ، ثم مسند الإمام أحمد، والحاكم، والبيهقي، والبزار، ومعاجم الطبراني – أظنه انتهى منها وسيسمعها في الدورة القادمة -، وكلها مذكرات الشيخ يحيى اليحيى.

ولم يكن بعيداً عن حفظ المتون، فحفظ ألفية ابن مالك، والطحاوية، والجزرية، وملحة الإعراب، والرحبية، والسفارينية، ونونية القحطاني، وغيرها ... .

وسمع كثيراً من أشرطة الشيخ ابن عثيمين، ولخصها في مذكرات خاصة به.

ولم يكن متفرغاً للطلب تاركاً العمل والدعوة، بل كان من النشيطين في الدعوة إلى الله تعالى، فكان يحدِّث الناس في مآتمهم وأفراحهم واجتماعاتهم، ويزورهم في بيوتهم فيعلِّم الجاهل، وينصح، ويعظ ويُرشد بما رزقه الله تعالى من علم.

وبسببه اهتدى شباب كثر، وخرجت الملهيات من بيت أهله، وحفظ على يديه أكثر من (9) شباب كتاب الله تعالى كاملاً، وفي الطريق إلى حفظه (9) آخرون.

وقد كان إمام مسجد في أيامه الأخيرة، ولم يكن متزوجاً، فقد كان يريد العمل ومساعدة أخيه الأكبر منه مقابل ما ساعده في الدراسة.

وقد استغل سكن المسجد في تجميع الشباب الجامعيين والطلبة الكبار لتحفيظهم كتاب الله تعالى في العطلة الصيفية الماضية، وقد زرتهم وزاروني فرأيت عجباً من همتهم وجلدهم واحترامهم لشيخهم، فقد منعهم من سماع الأخبار وقراءة الصحف – فضلاً عن غيرهما من الملهيات – حتى يحفظ كل واحدٍ منهم ما تفرغ لأجله، وقد التقينا بهم عند نهاية الصيف، فسألنا مجموعة منهم عن حفظهم في تلك الفترة فكان أن قال واحد منهم أنه حفظ القرآن في (29) يوماً، والباقي ضعف تلك المدة ومنهم من زاد على الضعف، والباقي في أواخر حفظهم.

ولما انتهت العطلة بقي مع مجموعة منهم ممن يستطيع التفرغ، والباقي يأتيه في نهاية الأسبوع ليراجع حفظه ويثبته، ويتم من لم يتمه.

وكان من تلامذته المتفرغين اثنان من أبنائي حفظ واحد منهم (7) أجزاء في (5) أسابيع تقريباً، والثاني حفِظ المذكرة الأولى من الصحيحين، ونصف الثانية – حوالي (600) حديثاً، وقد مشى مع الثاني في التجويد والتلاوة.

وقد أعطى وقته كله لإخوانه، حتى إنه لم يفطر يوماً عند أهله – كما أخبر أخوه في المقبرة – وكان يشرف على طعامهم وشرابهم وذهابهم وإيابهم.

ومن ذلك: أنني دعوتهم مرة للإفطار صباحاً قبل رمضان فجاء حوالي (20) من خيرة من تحب أن ترى من الشباب.

وفي المرة الأخرى قلت له: أحب أن تأتوا عندي مرة أخرى فتوقف ثم قال: طلب أم رغبة؟ فقلت: طبعاً رغبة، فقال: إن كان طلباً لبَّينا وإن كانت رغبة فأعتذر لأن الوقت يضيع بالذهاب والإياب والصيف على وشك الانتهاء وأحب أن ينتهي الشباب من برنامجهم، فأكبرت فيه أدبه وحرصه – رحمه الله -.

وكان كان أديباً حسن الخلُق حسن المعاشرة لإخوانه، وإذا رأيته في مجلس قلت لا يحفظ جزء " عم " ولا الأربعين النووية! وبخاصة إذا كان مجلساً فيه دعاة وطلبة علم وعلماء.

وفي يومه الأخير: دعاني للإفطار عنده في المسجد، فلبيت الدعوة، وأفطرنا وصلينا التراويح في مسجده، وقدم اثنين من تلامذته للصلاة، وقال: أنا مرتاح، الشباب يصلون وأنا أصلي خلفهم.

ورجعنا إلى بيته، فجلسنا قليلاً ثم ودعناه للرجوع إلى منزلنا، فقال له بعض تلامذته: إنه يريدني في موضوع خاص، وإنه سيكلمني فيه أثناء رجوعنا إلى المنزل، فرغب الشيخ أن يرافقنا إلى منزلنا ليرجع مع تلميذه حتى لا يرجع وحده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير