فهذا المخذول قد بلغ من التجري على الله - تعالى - مبلغاً يتقاصر عنه الوصف؛ لأنه ذهب يعانده ويضاد ما تعبدنا به بمجرد رأيه الفايل، وتخيله الباطل مقراً على نفسه بقبيح صنعه، وأنه جاء بما يريح العباد من الحكم الشرعي، فإن كان مع هذا معتقداً أن ذلك التحيل الذي جاء به يحلل الحرام ويحرم الحلال - فهو - مع كذبه على الله وافترائه على شريعته - قد ضم ذلك إلى ما يستلزم أنه يدعي لنفسه أن يشرع للعباد من عند نفسه غير ما شرعه لهم، وذلك ما يكون إلا لله -سبحانه- فإن كان هذا المخذول يدعي لنفسه الألوهية مع الله -سبحانه- فحسبك من شرٍّ سماعُه.
وإن كان لا يدعي لنفسه ذلك فيقال له: ما بالك تصنع هذا الصنع؟ وأي أمر ألجاك إليه؟ وأوقعك فيه؟
فإن قال: رأيت الله - عز وجل - قد صنع مثل هذا في قصة أيوب، وصنعه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في المريض الذي زنى.
فيقال له: ما أنت وهذا؟ لا كثر الله في أهل العلم من أمثالك، ومن أنت حتى تجعل لنفسك ما جعله الله لنفسه؟ فلو كان هذا الأمر الفظيع سائغاً لأحد من عباد الله لكان لهم أن يشرعوا كما شرع، وينسخوا من أحكام الدين ما شاءوا كما نسخ.
ثم أي جامع بين هذه أو بين ما شرعه الله من ذلك؟ فإنه مجرد خروج من مأثم، وتحلل من يمين قد شرع الله - تعالى - فيها إتيان الذي هو خير كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة، حتى ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حلف على ذلك فقال: "والله لا أحلف على شيء فأرى غيره خيراً منه إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني".
فأين هذا مما يصنعه أسراء التقليد من الكذب على الله - تعالى - وعلى شريعته وعلى عباده. ص237 - 238
34 - ومن جملة هذه الوصايا الطاغوتية والنذور الشيطانية، ما يفعله كثير من الناس من النذور والوصايا على قبور الأموات؛ فإنه لا مقصد لهم بذلك إلا استجلاب الخير، واستدفاع الشر من صاحب القبر، وهو قد صار بين أطباق الثرى، يعجز عن نفع نفسه فضلاً عن نفع غيره؛ فلا يصح شيء من ذلك، بل يتوجَّب على أهل الولايات صرفه في مصالح المسلمين، ويعرِّفون الناس بقبح ما يصنعونه من ذلك، وأنه من الأمور التي لا يحل اعتقادها، وأن الضر والنفع واستجلاب الخير واستدفاع الشر بيد الله - عز وجل - ليس لغيره فيه حكم، ولا له عليه اقتدار.
فإن رجعوا عن ذلك وتابوا وإلا انتقل صاحب الولاية معهم إلى ما هو أشد من ذلك، ولا يدعهم حتى يتوبوا.
وهكذا ما يقع من الأوقاف على القبور؛ فإنها من الحُبَس الشيطانية، والدلس الطاغوتية.
ولا يحل تقرير شيء منها ولا السكوت عنه، بل صرفها في مصالح المسلمين من أهم الأمور وأوجبها؛ فإن في عدم إنكارها وإبطالها مفسدة عظيمة تنشأ عنها الاعتقادات الباطلة، المفضية بصاحبها إلى نوع من أنواع الشرك وهو لا يشعر. ص245 - 246
ـ[العوضي]ــــــــ[04 - 05 - 08, 12:44 ص]ـ
وإياك أخي الكريم ورحم الله الإمام الشوكاني