وأمر مهم في التنظيم: هو أن يرتب المنظمون الدورةَ مع مَنْ سبقوا في فهم ما يُحتاجُ إليه في الدورات.
مثلاً: اختيار بلدٍ ما لإقامة دورة فيه لأول مرة سواء كان في داخل المملكة العربية السعودية أو في خارجها، فيحسن أن يستشيروا مَنْ أقام دوراتٍ ناجحةً، ودروسًا علميةً ناجحةً، لأن المؤمن يستشير، وما خاب من استشارَ.
وفشلت بعضُ الدورات لعدمِ الخبرة، ولعدم الاستشارة.
فليس تنظيمُ الدورات ترتيبًا على الورق، فلما حضر الناسُ والزمان والمكان صار هناك نوعٌ من الخلل.
فلابدّ من النظر في حال الدورات التي نجحتْ، كيف نجحتْ؟
والمهم من الدورات أن يعتني المنظمون في إفادة الطلاب.
ومعلوم أن المشاركين منهم مَنْ يناسب للمحاضرات، لكن قد لا يجيد فنَّ التعليمِ، ولو أجاد فنّ التعليم فقد لا يجيد فنّ التدريس في هذه الدورات المكثّفة، وأيضًا منهم مَنْ لا يُحْسِنُ مخاطبةَ الطلاب في هذا الوقت الوجيز بالعلم الذي يُحْسِنُهُ.
فالمنظمون يحتاجون إلى رعاية المكان وتهيئته، وإلى رعاية الزمان، واختيارِ المدرسِ، واختيارِ الفنون، واختيارِ الموضوعات، واختيارِ الكُتُبِ والمتونِ.
كل ذلك بحاجة إلى دِقَّةٍ. وهذه لا يستطيعها كلُّ أحدٍ.
ولهذا كان من حسنات الإخوة القائمين على هذه الدروس العلمية في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية، وفي مقدمتهم الأخُ: فهدُ الغراب - وفّقه الله للخير، وغيرُه من الإخوة أنهم يستشيرون أهلَ العلمِ فيما يَحْسُنُ اختياره من الموضوعات والفنون والمتون.
وأهلُ العلم على خبرة في المناسب وغير المناسب، يعرفون ذلك من الدورات الماضية، فَمَتْنُ كذا لا يصلح لتفرقِ مادَّته، أو ضعفِ أسلوبه، أو عدم اشتماله على كلِّ ما يُحتاجُ إليه في هذا الفن، أو ما أَشْبَهَ ذلك.
فالترتيبُ مع مَنْ يُحْسِنُ العلمَ فيمن يُنَظِّم هذه الدورات أمرٌ مهمٌ.
? ? ? ? ?
الركن الثاني: المعلِّم
هو الشيخُ الذي سيلقي الدروس.
ولاشكّ أن المشايخ يختلفون في استعداداتهم؛ لأنّ الله َ – جلَّ وعلا – وَهَبَ الناسَ مواهب، وقد يَهَبُ المتأخِّرَ ما فاتَ على المتقدِّمِ، وقد يَهَبُ الصغيرَ ما لم يدركْه الكبيرُ، وقد يكون المتوسطُ في السنّ أقربَ إلى الشباب من جهة إلقاء الدروس.
قد يُعْطَى متنٌ لمدةٍ وجيزةٍ، قد يكون هذا المتنُ يمكن تدريسُه في سنةٍ، على أن يكون في كل أسبوع درسٌ، وينجح مَنْ يُدَرِّسُهُ. فلو كانتِ المدةُ أسبوعًا ربما لم يستطع ذلك الذي يستطيع إنهاءَه في سنة، فيشرح ثلاثَ ورقاتٍ، أو أربعَ ورقاتٍ ثم يتركُ أكثرَ من ثلثيِ المتن بلا شرحٍ.
لذا يحسن في المعلِّم أن يقسِّم المتنَ على الزمن.
والذي حَصَلَ في دوراتٍ سابقة في هذا المسجد أوفي غيره أنّ عِلْمَ المعلمِ (الشيخ) كان أكبرَ من زمن
الدورة، فكان يفصِّل تفصيلاتٍ كثيرةً مفيدةً، فضاق عليه الوقتُ فتركَ الطلابَ من دون إتمامِ هذا المتنِ.
وفي هذه الحالة تفوت الفائدةُ عمن يحضر هذه الدوراتِ، وقد يبلغ العددُ إلى المئات. أما الذين يستفيدون من الأشرطة المسجَّلة فربما يزيد على مئات الآلاف.
وقد حدَّثني بعضُ الإخوةِ من الدعاةِ ممن زار بعض البلاد في أفريقيا أو أوربا أنه وَجَدَ فيها الدوراتِ التي أقيمتْ في هذا المسجد أو في غيره مسجَّلة على الأشرطة، ولكنَّ الناس ينتفعونَ بالكتاب أو بالمتن الذي يُشْرَحُ كاملاً.
فعلى المعلِّم أن يرتّب الزمن، وأن لا ينساقَ وراءَ المعلومة فينقضي الزمنُ، ولم يُنْهِ من الكتابِ إلا صفحةً أو صفحتين.
لهذا يتحتمُ على القائمين على الدورات أن ينبِّهوا الشيخَ فيما لو استطرد في البداية بعد مضي درسٍ أو درسين.
فيجب المحافظةُ على الزمن، والاهتمامُ به، وأن يكون الشرحُ متواكبًا مع قصر المدة.
فإذًا اختيارُ المعلِّمِ مهمٌ، فمنهم من يحسنُ الدروس لكن بتحضيرٍ كبير، فأحيانًا يحتاج المعلمُ إلى تحضيرٍ، وأحيانًا يكون التحضيرُ سببًا في إطالة المادّةِ والموضوعِ والإلقاءِ، فيأتي المعلِّمُ إلى إلقاء الدرس فتتزاحمُ عليه المعلوماتُ فيلقيها ولكنَّ الطالبَ لا يحتاجها في شرح هذا الكتاب؛ لأنّ الإلمامَ في المتن كاملاً هو المهم.
فالتفصيلاتُ والنقولاتُ من الكُتُبِ لا تتناسبُ مع الدورات العلمية المكثَّفة.
¥