تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (9/ 229):

عند شرحه لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- ولفظ الحديث:

(لو أنَّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، فقال: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فإنه إنْ يُقدَّر بينهما ولدٌ في ذلك لم يضره شيطان أبداً) متفق عليه.

قال الحافظ - رحمه الله -:

(وقيل: لم يضرُّه بمشاركة أبيه في جماعِ أمِّهِ كما جاء عن مجاهد: أنَّ الذي يجامع ولا يُسمِّي يلتفُّ الشيطان على إحليله فيجامع معه، ولعلَّ هذا أقرب الأجوبة).

ومن الأدلة على إمكان حدوث الجماع والنكاح بين الجن للإنس، قوله تعالى:

{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ}

سورة الرحمن، الآية:56.

ووجه الاستدلال بهذه الآية:

أنَّ الله عزَّ وجلَّ نفى أن يكون قد واقع نساء الجنة قبل أزواجهن فيها أحدٌ من الإنس والجن في الدنيا،مما يدل على إمكان حدوث جماع الجن لنساء الإنس، أو جماع الإنس لنساء الجن.

قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله- في تفسيره (27/ 150):

(وإنما عنى في هذا الموضع - أي بالطَّمْثِ (الطَّمْثُ: إزالة البكارة عند أول جماع) - أنه لم يجامعهن إنس قبلهم ولا جان).

ثم نَقَلَ -رحمه الله- جملةً من الآثار عن السلف -رحم الله الجميع-:

تدلُّ على حدوث الجماع بين الجن والإنس.

وفي تفسير الإمام البغوي - رحمه الله - (4/ 275):

(قال الزجاج: فيه دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي).

وعند الإمام ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير (8/ 122):

(في الآية دليلٌ على أن الجني يغشى المرأة كالإنسي).

وقال الألوسي - رحمه الله - في تفسيره (27/ 119):

(ونفي طمثهن عن الأنس ظاهر، وأما عن الجن فقال مجاهد والحسن: قد تجامع الجن نساء البشر مع أزواجهن إذا لم يذكر الزوج اسم الله تعالى، فنفى هنا جميع المجامعين.

وقيل:لا حاجة إلى ذلك، إذ يكفي في نفي الطمث عن الجن إمكانه منهم، ولا شك في إمكان جماع الجنيِّ إنسيةً بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى).

والفخر الرازي في تفسيره (29/ 130) يقول:

(ما الفائدة في ذكر الجان، مع أنَّ الجانَّ لا يجامع؟ فنقول: ليس كذلك، بل الجن لهم أولاد وذريات، وإنما الخلاف في أنهم:

هل يواقعون الإنس أم لا؟ والمشهور: أنهم يواقعون،وإلا لما كان في الجِنَّةِ أحسابٌ ولا أنسابٌ، فكان مواقعة الإنس إياهن كمواقعة الجن من حيث الإشارة إلى نفيها) وانظر: تفسير القرطبي (17/ 181) وابن كثير (4/ 279) وغيرهما.

وكراهة كثيرٍ من العلماء مناكحة الجن - كما سيأتي ذِكْرُه بَعْدُ إن شاء الله تعالى -: دليلٌ على إمكانه، لأنَّ غير الممكن لا يحكم عليه بجوازٍ، ولا بعدمه في الشرع؟!. انظر: آكام المرجان في أحكام الجان (ص66).

وحاصل ما تقدم ذِكْرُهُ:

أنَّ نكاح الجن من الإنس: إنما صحته تكون في العقل والواقع؛ فإذا كان يصح عقلاً،فهل يصح شرعاً، أو بمعنى آخر: هل يجوز في الشرع: زواجٌ بين الجن والإنس؟ هذا ما سيأتي ذِكْرُهُ …

وأمَّا صحة التناكح بين الجن ولإنس:

فالمختارُ الذي تنصره الأدلة: أنَّه لا يجوز شرعاً، ومن الأدلة على ذلك:

أولاً:

قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} سورة النحل، الآية:72.

وقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم، الآية:21.

وقال جلا وعلا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} سورة الأعراف، الآية:189.

قال أئمة التفسير والعلم - رحم الله جمعَهم الكريم- في تضاعيف مؤلفاتهم المباركة:

(امتنَّ الله سبحانه وتعالى على بني آدم أعظمَ مِنَّةٍ: بأنْ جعل لهم من أنفسهم أزواجاً من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكوراً وإناثاً، وجعل الإناث أزواجاً للذكور، ولم يجعل الجنَّ أزواجاً للإنس للتباين في الجنس والطبع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير