أنصحُك بما نصحتُ به أخاك من قبلُ.
ليس من شرطِ طَلَبِ العلمِ أن تكون عالمًا ربانيًا، وسلْ ربَّك التوفيقَ، ولا تدري هل إذا تصدرتَ للعلم وصرتَ عالمًا مشارًا إليه هل تبرأُ ذِمَّتُكَ أم لا تبرأُ؟.
وهل هو خيرٌ فيك أم ابتلاءٌ لك؟
والمقصودُ من طلبك للعلم:
(1) أن تنويَ رفعَ الجهل عن نفسك.
(2) و أن يرضى اللهُ - جلَّ وعلا - عنكَ بأنَّك سلكتَ طريقًا تلتمسُ فيه علمًا.
(3) أن تنوي صلاحَ قلبِك وجوارِحِكَ.
واطلبِ العلمَ فإنْ أقامكَ الله – جلَّ وعلا – في مقام العالم الرباني فهذا فضلٌ من الله ونعمةٌ، وهذا علمُهُ عند ربِّ العالمين، وإلاَّ فأنت طالبُ علمٍ.
قال الله - جلَّ وعلا -: ? وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ? ().
أسألُ اللهَ – عز وجل - التوفيقَ لك ولإخوانك جميعًا، ولكل من رام خيرًا ولم يدرك مبتغاه، قال الشنقيطي:
لا تُسِئْ بالعِلْمِ ظنًّا يا فَتى إنَّ سُوءَ الظنِّ بالعلمِ عَطَب
? ? ? ? ?
(5)
سألَ سائلٌ فقال:
ما توجيهُكُم لمن يشاركُ في بلادٍ تكثرُ فيها البدعُ والشركيّاتُ؟.
فكانَ الجوابُ:
نَشْرُ العلمِ عبادة ٌوجهادٌ.
واللهُ - جلَّ وعلا - أمرَ نبيَّه وهو في مكةَ بأن يجاهدَ المشركينَ بالعلمِ. فقال – تعالى -: ?فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيرا? (). يعني بالعلمِ، وبالقرآن.
فأعظمُ ما يكون جهادُ الأعداء بالعلم، وبه يبقى الخيرُ ويبقى التأثيرُ، فطالبُ العلم يُؤَثِّرُ، وينشرُ الخيرَ وتتوسعُ الدائرةُ مع الزمن، وهكذا.
ولهذا جاء في الحديث " فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم " ().
أما الصالحُ في نفسه فلا يُؤَثِّر إلاّ على نفسه.
ولا شكَّ أنَّ فضيلةَ العلم عظيمةٌ. فإذا تهيأَ له أن يُعَلِّمَ في بلاده فهذا طيبٌ، وإذا تهيأ له أن يرحلَ ويُعَلِّمَ مَنْ هو محتاجٌ فهذا – أيضًا – طيبٌ.
وفي العادة الناسُ يصيرونَ إلى العلماء الذين يُشارُ إليهم بالبنان، وينصرفون عن طلابِ العلم الذين هم دونهم.
أقول: هذا أمرٌ طبيعيٌّ.
ودَوْرُ طلابِ العلمِ الذين حضروا بعضَ المتونِ الصغيرةِ وعندهم ملكةٌ في التوحيد أو في السيرةِ، أن يرتحلوا إلى بلدٍ أخرى، ويقيموا دورةً علميةً في أفريقيا أو أندنوسيا، ويبذلوا فيها المالَ والعلمَ في العقيدة مع تقوى الله - جلَّ وعلا - فيما يقولون.
و أعظمُ العلمِ في بلدٍ انتشرتْ فيه البدعُ والشركياتُ هو ما جاءت به الرسلُ – عليهم الصلاة والسلام – ودعتْ إليه، وهو توحيدُ الله - جلَّ وعلا - الذي هو حقُّ اللهِ على العبادِ.
فهذا أعظمُ ما تورّثه وتبقيه في أيِّ مكان.
ثم تُعَلِّمُهُمْ كلامَ الله - جلَّ وعلا - وتُعَلِّمُهُمْ السنةَ؛ لأنها هي التي تبقى، والقبول لها. وتُعَلِّمُهُمْ "الأربعينَ النوويةَ"، أو ما أشبه ذلك.
ولا تعبأْ بنقدِ علماءِ تلك البلادِ وإنكارهِم عليك، فهم يتخيَّلونَ ما يَتَخَيَّلُونَ بوسوسةِ الشيطانِ، وعداوةِ الشيطانِ لأوليائه الصالحين. لهذا أعظمُ ما تجاهدُ به أعداءَ الله - جلَّ وعلا - والشيطانَ نشرُ العلمِ، فانْشُرْهُ في كلِّ مكانٍ بحسبِ ما تستطيعُ، واتّقِ اللهَ - جلَّ وعلا – في ذلك.
قال تعالى: ?فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً?.
? ? ? ? ?
(6)
سألَ سائلٌ فقال:
ما نصيبُ أصحابِ التخصصات العلمية، كالهندسة، والكيمياء، وغيرها من هذه الدروسِ والدوراتِ، وهم كُثُرٌ، ويريدون الفائدةَ؟.
فكانَ الجوابُ:
من الواجب على كلِّ مسلمٍ أن يتعلمَ ما تصحُّ به عقيدتُه وما تصح به عبادتُه.
وهذا واجبٌ على المهندسِ والطبيبِ والمتخصصِ في الرياضيات والكيمياء والمهندس المعماري والكمبيوتر وغيرها من الفنون.
وهؤلاء يتعلمونَ ما تصحُّ به عقيدتُهم وعبادتُهم، وهذه الدوراتُ فرصةٌ لهم يستفيدونَ علمًا كثيرًا في وقتٍ وجيزٍ.
فإن تخرّجوا وتوظَّفوا فيأخذونَ من كلِّ علمٍ ما يحتاجون إليه.
ولا شكَّ أن أمثالَ هؤلاء لديهم استعداداتٌ فطريةٌ لِفَهْمِ العلومِ الشرعيةِ، لهذا قال بعضُ الحكماء:
¥