4. ولعل أعظم مقاصد السياحة في الإسلام تكون في الدعوة إلى الله تعالى، وتبليغ البشرية النور الذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو وظيفة الرسل والأنبياء، ومن بعدهم أصحابهم رضوان الله عليهم، وقد انتشر صحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الآفاق يعلمون الناس الخير، ويدعونهم إلى كلمة الحق، ونحن نرجو أن تحذو سياحة اليوم تلك السياحة العظيمة المقصد، الشريفة الغاية والهدف.
5. وأخيراً فإن من مفهوم السياحة في الإسلام السفر لتأمل بديع خلق الله تعالى، والتمتع بجمال هذا الكون العظيم، ليكون ذلك باعثا للنفس البشرية على قوة الإيمان بوحدانية الله، وليكون عونا لها أيضا على أداء واجبات الحياة، فإن ترويح النفس ضروري لأخذها بالجد بعد ذلك.
يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) العنكبوت/20.
ثانياً:
ضوابط السياحة المشروعة في الإسلام
لقد جاءت شريعتنا الحكيمة بكثير من الأحكام التي تنظم السياحة وتضبطها وتوجهها كي تحافظ على مقاصدها التي سبق ذكرها، ولا يتجاوز بها إلى الانفلات أو التعدي، فتعود السياحة مصدر شر وضرر على المجتمع، ومن تلك الأحكام:
1. تحريم السفر بقصد تعظيم بقعة معينة إلا إلى ثلاثة مساجد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى).
رواه البخاري (1132) ومسلم (1397).
وفي الحديث دليل على حرمة الترويج للسياحة " الدينية " كما يسمونها لغير المساجد الثلاثة، كمن يدعو إلى السياحة لزيارة القبور والمشاهد والأضرحة والمراقد، وخاصة تلك الأضرحة التي يعظمها الناس ويرتكبون عندها أنواع الشرك والموبقات، فليس في الشريعة تقديس لمكان تؤدى فيه عبادة ويكون فيع تعظيم سوى هذه الثلاثة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: (خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ ... فذكر حديثا طويلا ثم قال: فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقُلْتُ مِنْ الطُّورِ. فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ).
رواه مالك في الموطأ (108) والنسائي (1430) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " فلا يجوز إنشاء سفر لقصد مكان مقدس غير هذه الأماكن الثلاثة، ولا يعني ذلك حرمة زيارة المساجد في بلاد المسلمين، فإن زيارتها مشروعة ومستحبة، وإنما الممنوع هو إنشاء السفر لهذا الغرض، فإذا كان له قصد آخر من السفر، وجاءت الزيارة تابعة فلا بأس، بل قد تجب لأداء الجمعة والجماعة.
ومن باب أولى حرمة السفر لزيارة الأماكن المقدسة في الديانات الأخرى، كمن يخرج لزيارة " الفاتيكان " أو الأصنام البوذية وغير ذلك مما يشبهه.
2. وقد جاءت الأدلة أيضا في تحريم سياحة المسلم في بلاد الكفار مطلقا، لما فيها من مفاسد تعود على دين وخلق المسلم باختلاطه مع تلك الأمم التي لا تراعي دينا ولا خلقا، خاصة مع عدم وجود الحاجة لهذا السفر من علاج أو تجارة ونحو ذلك، إنما هو للمتعة والترفيه، وقد أوسع الله تعالى بلاد المسلمين بحمد الله، فجعل فيها من بديع خلقه ما يغني عن زيارة الكفار في بلادهم.
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -:
¥