ولا شك أن الفريسيين في أول عهدهم كانوا على شيءٍ من التديّن و النزاهة بالنسبة إلى سائر الطوائف الاسرائيلية، إلاَّ أنه وعلى مرّ الزمن، دخل حزب الفريسيين كثير من المنتفعين، إلى أن فسد جهازهم واشتهر معظمهم بالرياء، حتى أن الطائفة اليهودية المادِّية ـالتى تسمّى "الصادوقيّة" ـ والتي كانت لا تؤمن بالبعث و لا بالقيامة كانت أول من ثار على فساد الفريسيين (الذين يتبعون أهواءهم).
ما هو موقف المسيح عليه السلام من الفريسيين؟
الفريسيون ورد ذمُّهم في كثيراً "الانجيل"، حيث كوَّن الفريسيون مجموعة كبيرة من التعاليم المناقضة لشريع موسى عليه السلام، بل و للشرائع أجمع، منها أن اليهود لا يعذبون يوم القيامة، و أن لهم النعيم الأبدي لكونهم من ذرية ابراهيم و اسرائيل عليهما السلام، و كثيرا ما يشير الانجيل إلى أن الفريسيين كانوا ألدّ أعداء المسيح.
ـ بل إن يحيى بن زكريا عليهما السلام "يوحنا المعمدان" حاول من قبل عيسى عليه السلام أن يبيّن للفريسيين أنه لا يمكن لهم أن يعيشوا على ذكريات الماضي، وأن الجيل الفاسد لا تخلّصه حسنات أجداده،و أن كونهم من ذرية إبراهيم و اسرائيل عليهما السلام لا يعفيهم من مغبة أعمالهم الفاسدة، و لذلك فقد صوّر لهم حقيقة الجزاء بعد البعث بالفأس التي توضع على أصل الشجرة فكل شجرة لا تصنع أثماراً جيدة تُقطع وتلقى في النار، بل و سمَّاهم عليه السلام ـ كما في الانجيل ـ "أولاد الأفاعي".
و عندما كان النبي يحيى "يكرز" اليهود قائلاً لهم: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (متى2:3).
جاء إليه جماعة من الفريسيين والصدوقيين ـ كما في الإنجيل ـ بقصد الاستهزاء به وبرسالته، فقال لهم ـ مبينا لهم أن مجرّد الاعتماد بالماء ليس كافياً إذا لم يقترن بالتوبةـ:
"فلما رأى كثيرين من الفريسييين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم، يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا ثماراً تليق بالتوبة، ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتلقى في النار" (متى 7:3 - 10).
ـ أمَّا عيسى عليه السلام فقد وبَّخهم بشدة من أجل ريائهم وادّعائهم القداسة والبرّ مع انصرافهم التام للدنيا، و انتقد على الفريسيين تمسكهم بأساطير و خرافات بالية معظمها من التراث البابلي الوثني و التراث الآرامي، وإهمالهم لجوهر الدين و هو التوحيد، ثم كذلك تحريفهم و تشويههم لشريعة التوراة فضلا عن عدم العمل بها.
ففي الانجيل على لسان عيسى عليه السلام محذراً لهم:
"ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلّة تطيلون صلواتكم، لذلك تأخذون دينونة أعظم" (متى14:23).
وكذلك في الانجيل على لسان عيسى عليه السلام:
لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدّام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكن أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلة تطيلون صلواتكم. لذلك تأخذون دينونة أعظم. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر لتكسبوا دخيلاً واحداً. ومتى حصل تصنعونه ابناً لجهنم أكثر منكم مضاعفاً .. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشّرون النعنع والشبث والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعلموا هذه ولا تتركوا تلك. أيها القادة العميان الذين يصفعون عن البعوضة ويبلعون الجمل ... ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبوراً مبيّضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضاً من خارج تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحوون رياءً وإثماً. أيها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم" (متى 23).
وقد لقّبهم المسيح بالجهّال والعميان وشبّههم بالقبور المبيّضة التي تظهر من الخارج جميلة ومن الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة، وأنهم يظهرون للناس أبراراً ولكنهم من الداخل مشحونون رياءً وإثماً (متى 27:23 - 28).
كما لقّبهم المسيح بأولاد الأفاعي وأولاد إبليس (متى 33:33).
¥