تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[عروس تزف إلى قبرها]

ـ[توبة]ــــــــ[27 - 06 - 07, 03:09 ص]ـ

كان عمرُها طاقةَ أزهارٍ تُسمى أيامًا.

كان عمرُها طاقةَ أزهارٍ يَنْتَسِق فيه اليومُ بعدَ اليوم، كما تَنْبُتُ الورقةُ الناعمة في الزهرة إلى ورقة ناعمة مِثلِها.

أيام الصِّبا المرحة حتى في أحزانها وهمومها؛ إذ كان مجيئها من الزمن الذي خُصّ بشباب القلب، تبدو الأشياء في مجاري أحكامها كالمسحورة؛ فإن كانت مفرحة جاءت حاملة فَرَحَيْن، وإن كانت محزنة جاءت بنصف الحزن.

تلك الأيام التي تعمل فيها الطبيعة لشباب الجسم بقوى مختلفة: منها الشمس والهواء والحركة، ومنها الفرح والنسيان والأحلام!

وشبت العذراء وأفرغت في قالب الأنوثة الشمسي القمري، واكتسى وجهها ديباجة من الزهر الغض، وأودعتها الطبيعة سرها النسائي الذي يجعل العذراء فن جمالها لأنها فن حياة، وجعلتها تمثالاً للظرف: وما أعجب سحر الطبيعة عندما تجمل العذراء بظرف كظرف الأطفال الذين ستلدهم من بعد! وأسبغت عليها معاني الرقة والحنان وجمال النفس، وما أكرم يدَ الطبيعة عندما تَمْهُر العذراء من هذه الصفات مهرها الإنساني!

وخُطبت العذراء لزوجها، وعُقد له عليها في اليوم الثالث من شهر مارس في الساعة الخامسة بعد الظهر.

وماتت عذراء بعد ثلاث سنين، أُنزلت إلى قبرها في اليوم الثالث من شهر مارس في الساعة الخامسة بعد الظهر!

وكانت السنوات الثلاث عمر قلب يقطعه المرض، ينتظرون به العرس، وينتظر بنفسه الرَّمْس.

يا عجائب القدر! أذاك لحن موسيقي لأنين استمر ثلاث سنوات، فجاء آخره موزونًا بأوله في ضبط ودقة؟

أكانت تلك العذراء تحمل سرًّا عظيمًا سيغير الدنيا، فردت الدنيا عليها يوم التهنئة والابتسام والزينة، فإذا هو يوم الولولة والدموع والكفن؟

واهًا لك أيها الزمن! من الذي يفهمك وأنت مدة أقدار؟

*********

واليوم الواحد على الدنيا هو أيام مختلفة بعدد أهل الدنيا جميعًا، وبهذا يعود لكل مخلوق سر يومه، كما أن لكل مخلوق سر روحه، وليس إليه لا هذا ولا هذا.

وفي اليوم الزمني الواحد أربعمائة مليون يوم إنساني على الأرض! ومع ذلك يُحْصِيه عقلُ الإنسان أربعًا وعشرين ساعة؛ يا لَلْغباوة .. !

وكل إنسان لا يتعلق من الحياة إلا بالشعاع يُضيء المكان المظلم في قلبه، والشمس بما طلعت عليه لا تستطيع أن تنير القلب الذي لا يُضيئه إلا وجهُمحبوب.

وفي الحياة أشياء مكذوبة تُكَبِّر الدنيا وتُصَغِّر النفسَ، وفي الحياة أشياءُ حقيقية تُعَظِّم بالنفس وتصغر بالدنيا؛ وذَهَبُ الأرض كله فقر مُدْقَع حين تكون المعاملة مع القلب.

أيتها الدنيا؛ هذا تحقيرك الإلهي إذا أكبرك الإنسان!

ويا عجبًا لأهل السوء المُغْتَرِّين بحياة لا بد أن تنتهي! فماذا يرتقبون إلا أن تنتهي؟ حياة عجيبة غامضة؛ وهل أَعْجَبُ وأَغْمَضُ من أن يكون انتهاء الإنسان إلى آخرها هو أول فكرة في حقيقتها؟

فعندما تحين الدقائقُ المعدودة التي لا تَرْقُبُها الساعةُ ولكن يَرْقُبُها صدرُ المُحْتَضَر .. عند ما يكون مُلْك الملوك جميعًا كالتراب لا يَشتري شيئًا ألبتة ..

ماذا يكون أيها المجرم بعدما تقترف الجناية، ويقوم عليك الدليل، وترى حولك الجند والقضاة، وتقف أمامك الشريعة والعدل؟

أعمالنا في الحياة هي وحدها الحياة، لا أعمارنا، ولا حظوظنا. ولا قيمة للمال، أو الجاه، أو العافية، أو هي معًا – إذا سُلب صاحبها الأمن والقرار! والآمِن في الدنيا مَن لم تكن وراءَه جريمةٌ لا تزال تجري وراءَه. والسعيدُ في الآخرة من لم تكن له جريمةٌ تطارده وهو في السماوات.

كيف يمكن أن تخدع الآلة صاحبَها وفيها (العَدَّاد): ما تتحرك من حركة إلا أشعرته فَعَدَّها؟ وكيف يمكن أن يكذب الإنسانُ ربَّه وفيه القلب: ما يعمل من عمل إلا أشعره فعدَّه؟

* * *

ورأيت العروس قبل موتها بأيام

أفرأيتَ أنت الغِنى عندما يُدبر عن إنسان ليتركَ له الحسرة والذكرى الأليمة؟ أرأيت الحقائق الجميلة تذهب عن أهلها فلا تترك لهم إلا الأحلام بها؟ ما أتعبَ الإنسانَ حين تتحول الحياة عن جسمه إلى الإقامة في فكره!

وما هي الهموم والأمراض؟ هي القبر يستبطئ صاحبه أحيانًا؛ فينفض في بعض أيامه شيئًا من ترابه…!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير