تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

به فقد قطعت نصف المسافة فهلا تقطعين باقيها فتفوزين فوزا عظيما ومنها أن العلم بكل حال خير من الجهل فإذا عالم بهذا الشأن غير موصوف به ولا قائم به وآخر جاهل به غير متصف به فهو خلو من الأمرين فلا ريب أن العالم به خير من الجاهل وإن كان العالم المتصف به خيرا منهما فينبغي أن يعطي كل ذي حق حقه وينزل في مرتبته ومنها أنه إذا كان العلم بهذا الشأن همه ومطلوبه فلا بد أن ينال منه بحسب استعداده ولو لحظة ولو بارقة ولو أنه يحدث نفسه بالنهضة إليه ومنها أنه لعله يجري منه على لسانه ما ينتفع به غيره بقصده أو بغير قصده والله لا يضيع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العامل وبالجملة ففوائد العلم بهذا الشأن لا تنحصر فلا ينبغي أن تصغي إلى من يثبطك عنه وتقول إنه لا ينفع بل احذره واستعن الله ولا تعجز ولكن لا تغتر وفرق بين العلم والحال وإياك أن تظن أن بمجرد علم هذا الشأن قد صرت من أهله هيهات ما أظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى وهو فقير وبين الغني بالفعل وبين العالم بأسباب الصحة وحدودها وهو سقيم وبين الصحيح بالفعل فاسمع الآن وصف القوم وأحضر ذهنك لشأنهم العجيب وخرهم الجليل فإن وجدت من نفسك حركة وهمة إلى التشبه بهم فاحمد الله وادخل فالطريق واضح والباب مفتوح

إذا أعجبتك خصال امرىء ... فكنه تكن مثل ما يعجبك

فليس على الجود والمكرما ... ت إذا جئتها حاجب يحجبك

فنبأ القوم عجيب وأمرهم خفي إلا على من له مشاركة مع القوم فإنه يطلع من حالهم على ما يريه إياه القدر المشترك وجملة أمرهم أنهم قوم قد امتلأت قلوبهم من معرفة الله وغمرت بمحبته وخشيته وإجلاله ومراقبته فسرت المحبة في أجزائهم فلم يبق فليها عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحب قد أنساهم حبه ذكر غيره وأوحشهم أنسهم به ممن سواه قد فنا بحبه عن حب من سواه وبذكره عن ذكر من سواه وبخوفه ورجائه والرغبة إليه والرهبة منه والتوكل عليه والإنابة إليه والسكون إليه والانكسار بين يديه عن تعلق ذلك منهم بغيره فإذا وضع أحدهم جنبه على مضجعه صعدت أنفاسه إلى إلهه ومولاه واجتمع همه عليه متذكرا صفاته العلى وأسماءه الحسنى ومشاهدا له في اسمائه وصفاته قد تجلت على قلبه أنوارها فانصبغ قلبه بمعرفته ومحبته فبات جسمه في فراشه يتجافى عن مضجعه وقلبه قد أوى إلى مولاه وحبيبه فآواه إليه وأسجده بين يديه خاضعا خاشعا ذليلا منكسرا من كل جهة من جهاته

فيا لها سجدة ما أشرفها من سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء وقيل لبعض العارفين أيسجد القلب بين يدي ربه قال أي والله بسجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة فشتان بين قلب يبيت عند ربه قد قطع في سفره إليه بيداء الأكوان وخرق حجب الطبيعة ولم يقف عند رسم ولا سكن إلى علم حتى دخل على ربه في داره فشاهد عز سلطانه وعظمة جلاله وعلو شأنه وبهاء كماله وهو مستو على عرشه يدبر أمر عباده وتصعد إليه شؤون العباد وتعرض عليه حوائجهم وأعمالهم فيأمر فيها بما يشاء فينزل الأمر من عنده نافذا فيشاهد الملك الحق قيوما بنفسه مقيما لكل ما سواه غنيا عن كل من سواه وكل من سواه فقير إليه يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويفك عانيا وينصر ضعيفا ويجبر كسيرا ويغني فقيرا ويميت ويحيي ويسعد ويشقي ويضل ويهدي وينعم على قوم ويسلب نعمته عن آخرين ويعز أقواما ويذل آخرين ويرفع أقواما ويضع آخرين ويشهده كما أخبر عنه أعلم الخلق به وأصدقهم في خبره حيث يقول في الحديث الصحيح يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع فيشاهده كذلك يقسم الأرزاق ويجزل العطايا ويمن بفضله على من يشاء من عباده بيمينه وباليد الأخرى الميزان يخفض به من يشاء ويرفع به من يشاء عدلا منه وحكمة لا إله إلا هو العزيز الحكيم فيشهده وحده القيوم بأمر السموات والأرض ومن فيهن ليس له بواب فيستأذن ولا حاجب فيدخل عليه ولا وزير فيؤتى ولا ظهير فيستعان به ولا ولي من دونه فيشفع به إليه ولا نائب عنه فيعرفه حوائج عباده ولا معين له فيعاونه على قضائها أحاط سبحانه بها علما ووسعها قدرة ورحمة فلا تزيده كثرة الحاجات إلا جودا وكرما ولا يشغله منها شأن عن شأن ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين لو اجتمع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير