تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أولى - رحمه الله - هذا الجانب عناية خاصة، واجتهد في تقريره والدعوة إليه، وسخَّر جهده ووقته وقلمه في سبيل الله تحقيقه، بل أفرد لذلك المصنفات التي يردُّ فيها على الفلاسفة وأهل الكلام، وأتباعهم من المنتسبين إلى الإسلام.

فنراه - رحمه الله - يتبرأ من "جَعْلِ سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعة لآراء الرجال، منزلة عليها، مسوقة إليها"1.

وقال مرة: "ولسنا ممن يعرض الحق على آراء الخلق، فما وافقه منها قَبِلَهُ، وما خالفه رُدَّ، وإنما نحن ممن يعرض آراء الرجال وأقوالها على الدليل، فما وافقه منها اعتدَّ به وقبله، وما خالفه خالفه"2.

وسيأتي مزيد كلام له - رحمه الله - في ضرورة التمسك بالسنة، والتحذير من تركها لرأي أحد أو عمله كائناً من كان3.

ثانياً: الدعوة إلى اتِّباع السنة النبوية الصحيحة النقية، كما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير مما خالط ذلك من البدع الْمُحْدَثَات، التي تَدَيَّنَ بها كثير من الناس، معرضين - في الوقت نفسه - عن الثابت الصحيح من سنته صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا الصدد يقول عنه العلامة الشوكاني رحمه الله: "وبالجملة فهو أحد من قام بنشر السنة، وجعلها بينه وبين الآراء الْمُحْدَثة أعظم جُنَّةٍ، فرحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيراً"1.

وقال ابن القَيِّم في بيان منزلة صاحب السنة وصاحب البدعة: "فصاحب السنة حيُّ القلب مستنيره، وصاحب البدعة ميت القلب مظلمه"2.

وَبَيَّنَ مرةً فضل متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأثر ذلك، فقال: " ... وأكمل الخلق متابعة له: أكملهم انشراحاً ولذةً وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره، وقرة عينه، ولذة روحه ما ينال"3.

وقد كان - رحمه الله - دائم التنبيه على البدع، وبيان الصحيح من سنته صلى الله عليه وسلم من الدخيل الْمُحْدَثِ، كلما وجد مناسبة لذلك، فمن ذلك:

قوله رحمه الله: "ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تَعْليَةُ القبور، ولا بناؤها بآجرٍّ ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها ... فكل هذا بدعة مكروهة، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم"4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال عن حديث الاكتحال يوم عاشوراء والتطيب: " ... مِنْ وضع الكذَّابين، وقَابَلَهُم آخرون فاتخذوه يوم تَأَلَّمٍ وحزنٍ، والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة، وأهل السنة يفعلون فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع"1.

وقال رحمه الله: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت ولم يكن من هديه أن يُجْتَمَعَ للعزاء، ويقرأ له القرآن، لا عند القبر ولا غيره، وكل ذلك بدعة حادثة مكروهة"2.

إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة لِذَمِّه - رحمه الله - البدع، وقيامه عليها وتنفيره منها.

ثالثاً: ذمُّ التقليد الأعمى، الذي يحمل المقلد على ترك ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لقول مُقَلَّدِهِ، فلا يرى الحق إلا مع إمامه، ولا يقبل من الدين إلا ما جاء من طريقه.

ويصف ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا النوع من التقليد المذموم بأنه: "الإعراضُ عن القرآنِ والسننِ وآثارِ الصحابةِ، واتخاذُ رَجلٍ بعينه مِعْيَاراً على ذلك، وتركُ النصوص لقوله، وعرضها عليه، وقبول كل ما أفتى به، ورد كل ما خالفه"3.

ولا شك أن استيلاء التقليد على القلوب سببه: ما تقدم من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإعراض عن نصوص الكتاب والسنة، ونبذهما وراء الظهور، والالتفات - بدلاً من ذلك - إلى القيل والقال، وآراء الرجال؛ فإن الغالب على من كانت هذه حاله، أنه يكون أسيراً لأقوال إمامه، حبيساً في سجن آرائه، فتجد الواحد منهم قد "أَخْلَد إلى أرض التقليد، وقنع أن يكون عيالاً على أمثاله من العبيد"1.

ويُبَيِّن ابن القَيِّم - رحمه الله - شيئاً من حال الْمُقَلِّد، فيقول: "وعياذاً بالله من شر مقلد عَصَبِيّ، يرى العلم جهلاً، والإنصاف ظلماً، وترجيح الراجح على المرجوح عدواناً"2.

ويُخْرِجُ ابن القَيِّم المقلد من زمرة العلماء؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء قد وَرَّثُوا العلم، "وكيف يكون مِنْ وَرَثة الرسول صلى الله عليه وسلم من يجهد ويكدح في رد ما جاء إلى قول مقلد ومتبوعه؟! "3

أقسام التقليد المحرم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير