تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم وقاموا في صعيد واحد ثم سألوه فأعطى كلا منهم مسألته ما نقص ذلك مما عنده ذرة واحدة إلا كما ينقص المخيط البحر إذا غمس فيه ولو أن أولهم وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئا ذلك بأنه الغني الجواد الماجد فعطاؤه كلام وعذابه من كلام إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ويشهده كما أخبر عنه أيضا الصادق المصدوق حيث يقول إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه وبالجملة فيشهده في كلامه فقد تجلى سبحانه وتعالى لعباده في كلامه وتراءى لهم فيه وتعرف إليهم فيه فبعدا وتبا للجاحدين والظالمين أفي الله شك فاطر السموات والأرض9 لا إله إلا هو الرحمن الرحيم فإذا صارت صفات ربه وأسماؤه مشهدا لقلبه أنسته ذكر غيره وشغلته عن حب من سواه وحديث دواعي قلبه إلى حبه تعالى بكل جزء من أجزاء قلبه وروحه وجسمه فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فيه يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشي كما أخبر عن نفسه على لسان رسوله ومن غلظ حجابه وكثف طبعه وصلب عوده فهو عن فهم هذا بمعزل بل لعله أن يفهم منه ما لا يليق به تعالى من حلول أو اتحاد أو يفهم منه غير المراد منه فيحرف معناه ولفظه ومن لم يجعل الله له نوارا فماله من نور وقد ذكرت معنى الحديث والرد على من حرفه وغلط فيه في كتاب التحفة المكية وبالجملة فيبقى قلب العبد الذي هذا شأنه عرشا للمثل الأعلى أي عرشا لمعرفة محبوبه ومحبته وعظمته وجلاله وكبريائه وناهيك بقلب هذا شأنه فيا له من قلب من ربه ما أدناه ومن قربه ما أحظاه فهو ينزه قلبه أن يساكن سواه أو يطمئن بغيره فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان وسجدت تحت العرش وأبدانهم في فرشهم كما قال أبو الدرداء إذا نام العبد المؤمن عرج بروحه حتى تسجد تحت العرش فإن كان طاهرا أذن لها في السجود وإن كان جنبا لم يؤذن لها بالسجود وهذا والله أعلم هو السر الذي لأجله أمر النبي الجنب إذا أراد النوم أن يتوضأ وهو إما واجب على أحد القولين أو مؤكد الاستحباب على القول الآخر فإن الوضوء يخفف حدث الجنابة ويجعله طاهرا من بعض الوجوه ولهذا روى الإمام أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما عن أصحاب رسول الله إنهم إذا كان أحدهم جنبا ثم اراد أن يجلس في المسجد توضى ثم جلس فيه وهذا مذهب الإمام أحمد وغيره مع أن المساجد لا تحل لجنب على أن وضوءه رفع حكم الجنابة المطلقة الكاملة التي تمنع الجنب من الجلوس في بيت الله وتمنع الروح من السجود بين يدي الله سبحانه فتأمل هذه المسألة وفقهها واعرف مقادر فقه الصحابة وعمق علومهم فهل ترى أحدا من المتأخرين وصل إلى مبلغ هذا الفقه الذي خص الله به خيار عباده وهم أصحاب نبيه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوا الفضل العظيم فإذا استيقظ هذا القلب من منامه صعد إلى الله بهمه وحبه وأشواقه مشتاقا إليه طالبا له محتاجا إليه عاكفا عليه فحاله كحال المحب الذي غاب عن محبوبه الذي لا غنى له عنه ولا بد له منه وضرورته إليه أعظم من ضرورته إلى النفس والطعام والشراب فإذا نام غاب عنه فإذا استيقظ عاد إلى الحنين إليه وإلى الشوق الشديد والحب المقلق فحبيبه آخر خطراته عند منامه وأولها عند استيقاظه كما قال بعض المحبين لمحبوبه

وآخر شيء أنت في كل هجعة ... وأول شيء أنت عند هبوبي

يتبع إن شاء الله

ـ[أبو القاسم المصري]ــــــــ[12 - 04 - 08, 07:33 م]ـ

فقد أفصح هذا المحب عن حقيقة المحبة وشروطها فإذا كان هذا في محبة مخلوق لمخلوق فما الظن في محبة المحبوب الأعلى فأف لقلب لا يصلح لهذا ولا يصدق به لقد صرف عنه خير الدنيا والآخرة فصل فإذا استيقظ أحدهم إلى قلبه هذا الشأن فأول ما يجري على لسانه ذكر محبوبه والتوجه إليه واستعطافه والتملق بين يديه والاستعانة به أن لا يخلي بينه وبين نفسه وأن لا يكله إليها فيكله إلى ضعة وعجز وذنب وخطيئة بل يكلؤه كلاءة الوليد الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فأول ما يبدأ به الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور متدبرا لمعناها من ذكر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير