تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تبريد حرارة الصيف بالعبادات]

ـ[شعيب الجزائري]ــــــــ[10 - 08 - 07, 12:30 ص]ـ

[تبريد حرارة الصيف بالعبادات]

هل سمع أحدُكم قطّ عن (لُعابِ الشمسِ)؟

نحنُ نعرفُ لُعابَ الإنسانِ.

ربّما تصوّرَ أحدُنا لعابَ الحيّةِ وهو سمُّها.

ولعابَ النحلةِ وهو عسلُها.

ولعلّ بعضكم سمعَ طُرفةَ لُعابِ المنيّةِ! وهو اسمٌ أطلقَهُ أبو حيّةَ النميريّ على سيفٍ لم يكن بينه وبين الخشبة فرق!! وكان أبو حيّةَ أجبن الناس وأخوفهم، حدَّث جارٌ له فقال: دخل ليلة إلى بيته كلب، فسمع صوته من وراء باب الحجرةِ، فظنه لصًا، قال الجارُ: فأشرفتُ عليه، وقد انتضى سيفَهُ لعاب المنية، وهو واقف في وسط الدار وهو يقول يخاطبُ الكلب الذي ظنّه لصًا: أيها المغتر بنا والمجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك: خير قليل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورةٌ ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك، قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسًا إليك لا تقم لها، وما قيس؟! تملأ والله الفضاء خيلا ورجلا، سبحان الله، ما أكثرها وأطيبها.

فبينا هو كذلك إذ الكلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبًا، وكفاني حربًا!.

هذا هو لُعابُ المنيّةِ وهذا صاحبُهُ الشجاع.

فما لُعابُ الشمسِ الذي ذكرتُ خبره في صدر حديثي؟

تُطلقُ العربُ لُعابَ الشمسِ على ثلاثةِ أشياء:

أوّلها: شيءٌ تراه ينحدرُ من السماء كخيوطِ العنكبوتِ إذا اشتدّ الحرّ، وتشبّع الهواء بالماء.

وثانيها: السرابُ.

وثالثها: العرقُ.

فكلّ هذه الثلاثةِ تسمّيها العربُ (لعابَ الشمسِ) لأنّها ناشئةٌ عن شدّة الحرارةِ، ووقدةِ الهجيرِ.

ومن باب الاستطراد بالفائدة فقط أخبركم أنّ العرب يعرفونَ بإزاء (لعابِ الشمس) (بُصاقَ القمرِ) وهو عندهم حجر المروِ الأبيض!.

وما أظنّ الشمسَ عندنا يسيلُ لعابُها كما يسيل في هذه الأيامِ التي تتقدُ فيها الأرضُ والسماءُ بحرّ يشبه قلب الصبّ، ويذيب دماغ الضّبّ، وينضج الجلود، ويذيب الجلمود [جواهر الأدب 943]. ويلوي الجنوب، ويشوي الأفئدة والقلوب، وينزع الشّوى (جلدة الرأس) ويذيب الحشى، ويضرم الأكباد، ويسعّر الصمّ الجلاد [عمدة الكاتب 246].

إنّه الصّيف ... الذي جاءنا هذا العام أشدّ لفحا مما كان!.

طريقة مبتكرة لتبريد حرارة الصيف

وإذا كانت عادة الناس قد جرتْ بأن يبرّدوا حرارة صيفهم بالمكيفاتِ، فإنني وإياكم اليوم نريد أن نخترع طريقة جديدة مبتكرةً لتبريد حرارة هذا الصيف.

الطريقةُ المخترعةُ هي تبريد حرارة الصيف بالعبادات!!.

نعم .. بالعبادات والطاعات!! ولا تستغربوا .. فطاعة الله وعبادتُهُ بردٌ يحلّ على قلب المسلم وجسده ..

ذلك أنّ فرط الحرارةِ هو من نفس جهنم كما روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قالت النار: رب أكل بعضي بعضا فأذن لي أتنفس، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم. وحرُّ جهنّم إنما يفرّ منه المؤمن بالطاعات.

والطاعةُ كذلك هي التي حوّلت نار إبراهيم بردا وسلاما {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} (الأنبياء: 69).

وجرتْ ألسنة الصالحين على مرّ العصور بألفاظٍ من نحوِ: بردِ اليقين، وبرد الطاعة، وثَلَجِ الهداية.

كل ذلك يؤكد حقيقة أنّ (الطاعةَ) تبرّدُ على الإنسانِ!.

وإليكم شاهد من التاريخ على أثر الطاعةِ في (التبريد)!!.

عن ابن سيرين قال: خرجت أمّ أيمن مهاجرة إلى الله ورسوله وهي صائمة ليس معها زاد، ولا حمولة، ولا سقاء، في شدّة حرّ تهامة، وقد كادت تموت من الجوع والعطش، حتى إذا كان الحين الذي يفطر فيه الصائم سمعت حفيفا على رأسها، فرفعت رأسها فإذا دلْوٌ معلّق برشاء أبيض، قالت: فأخذته بيدي فشربت منه حتى رويت، فما عطشتُ بعد، فكانت تصوم وتطوف لكي تعطش في صومها فما قدرت على أن تعطش حتى ماتت [عبد الرزاق 7900].

فما رأيكم في هذا الصيف أن نضيف إلى المكيّفاتِ التي تهدر بالليل والنهار في منازلنا مكيّفاتٍ أخرى إيمانية؟ ولنسمّ هذه المبرداتِ الإيمانية (عبادات الصيف).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير