تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا أعني بهذه التسمية أنها عبادات لا تصلح إلا في الصيف، ولكنني أقصد أنّها عبادات يحسن الإكثار منها خلاله إمّا لارتباطها بطبيعة جوّه اللاهب، أو لارتباطها بطبيعة الحياة الاجتماعيّة أثناءه.

1. عبادة الاتعاظِ والتفكُّرِ:

ولعلّ أوّل عبادةٍ تخطُرُ في قلبِ المؤمن في هذا الهجيرِ عبادة الاتعاظِ والتفكُّرِ، انظر أيها الأخ كيفَ يلفحك هذا الهجيرُ حتى لا تكادُ تطيق صبرًا، وكيف تأوي مسرعًا إذا حلت الظهيرةُ إلى داركَ تبتغي ملاذًا! ثمّ تذكّر من بعدُ حرًا إن ابتليتَ به لم تجد منه ملاذًا ولا معاذًا! إنّه حرُّ جنّهم الذي لا يعدلُ حرُّ الدنيا منه شيئًا! بل أعظمُ من هذا .. إنّ نار الدنيا التي تسلخ الجلود وتذيب العظمَ لا تساوي من نار جهنّم شيئًا!! قال صلى الله عليه وسلم: نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ قَالُوا وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا (مسلم)، وعند الترمذي: أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ.

ومع الحرّ المحيط والنار اللاهبة .. تتحول الثيابُ والطعام والشرابُ إلى نارٍ!! {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} (الحج: 18، 19)، {وسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (محمد: 15). نسأل الله العافية.

ألا ذكرت أخي كلما لفحتك الشمسُ بشواظِها هذه الدار المسعّرةَ فاستعذتَ واستغفرتَ؟ ثمّ ذكرتَ ما يقابلها من برد الجنّةِ وطيب هوائِها فسألتَ وأقبلتَ؟

إنّك لو لم تخرج من صيفكَ إلا بهذا لكنتَ قد خرجتَ بثروةٍ عظيمةٍ لا تقدّر بثمن.

2. عبادة سقي الماء:

إنّ من العبادات العظيمة التي ينال بها المرء أجزل الثواب في هذا الحرّ الشديد عبادة (سقي الماء).

ولقد غفر الله لبغيّ من بني إسرائيل لما سقت كلباً دلّى لسانه من العطش، فكيف بمن سقى إنسانًا؟

وقد قال صلى الله عليه وسلم: في كلّ كبد رطبة أجر.

وعن ابن عباس قال: في ابن آدم ستون وثلاثمائة سلامى على كل واحد في كل يوم صدقة .. كل كلمة طيبة صدقة، وعون الرّجل أخاه صدقة، والشربة من الماء يسقيها صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة. [المفرد 422].

فما أجمل أن يتوسّع الإنسان في هذه العبادة في الصيف!! ..

ما أجمل أن يوقف ثلاجات الماء البارد، وأن يعمد إلى ما تعطل منها في طريق السابلةِ فيصلحُهُ.

وما أجمل أن يعمد إلى مكان مزدحم فيجعل فيه خزّان ماء بارد يشرب منه الناس.

وما ألطف أن يطلب من باعة المياه عند الإشارات أن يوزعوا الماء على الرّكاب ويتولّى هو دفع قيمته.

وما أجمل أن يأخذ امرؤ نفسه بتعاهد خزانات المساجد فيوفّر لها الماء البارد.

وما أحلى أن يحمل أحدنا ماء باردا يسقي به عمّال البناء الذين يعملون في الهاجرة وتحت القيظ الشديد.

إنّ قطرة ماءٍ عذبة باردة تنزل في جوف أخٍ برح به العطش ترفعك عند الله درجات.

3. عبادة إظلالُ المسلمين:

ولاحق بالعبادة السابقة وقريب منها عبادة إظلالُ المسلمين فإنّ الناس أحوج ما يكونون إلى الظل في هذه الحرارة الفظيعة .. فهل تدرك مقدار أجرك الذي تحصّله عندما تبني مظلة لمسجد؟ أو عندما تشتري مظلات وتجعلها وقفا في الأماكن العامة كالمقابر ونحوها؟ أو عندما تزرع أشجارا ظليلة؟ أو حتى عندما تجعل لعمارتك مواقف مظللة يأوي إليها السكّان؟ أو حتى عندما تؤثر جارك بموقفٍ ظليلٍ؟.

إنّ الجزاء من جنس العمل، ومن أظلّ عباد الله من الشمس، أوشك أن يكون أهلا لأن يظله الله يوم القيامة، يوم تدنو الشمس من الخلائق فتكون على قدر ميل.

4. ترطيب الجسد بالوضوء:

ومما يلائم الصيف من العبادات .. الوضوءُ فإنّ المرء مع شدّة الحر يحتاج إلى ترطيب جسده بالماء، ويحتاج إلى كثرة الاغتسال، فما أجمل أن يحافظ المؤمن على الوضوء، وأن ينوي إذا اغتسل الوضوء فيظل يومه متوضّئا يرطّب بذلك جسده، وينال أجر ربه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير