ومر أعرابي في سفر فكان أبو الأعرابي صديقا لعمر، فقال الأعرابي: ألست ابن فلان؟ قال: بلى. فأمر له ابن عمر بحمار كان يستعقب. ونزع عمامته عن رأسه فأعطاه، فقال بعض من معه: أما يكفيه درهمان؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ ودّ أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك. [مسلم، الأدب المفرد 40].
9. زيارة الإخوان ومؤانستهم:
وحسبنا ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنّ رجلا زار أخا له في قرية، فأرصد الله على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمةٍ تربّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله. قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه [مسلم].
وعن ابن مسعود أنه قال لأصحابه: هل تجالسون؟ قالوا: لا نترك ذلك. قال: فهل تزاورون؟ قالوا: نعم يا أبا عبد الرحمن، إن الرجل منا ليفقد أخاه فيمشي على رجليه إلى آخر الكوفة حتى يلقاه. قال: إنكم لن تزالوا بخير ما فعلتم ذلك [الطبراني وهو منقطع، الترغيب 3795].
فما أحسن أن يجعل المرء من برنامج صيفه حزمة من الزيارات للأقارب والأهل والأرحام والإخوان يبتغي بذلك الأجر والمثوبة من الله.
10. عبادة الولائم دون سرف أو مخيلة:
وقريب مما سبق عبادة (الولائم). نعم .. فدعوة الإخوان والأقارب وإطعامهم ومؤانستهم بلا سرف ولا مخيلة ومع إخلاص وحسن نيّ*ة عبادة مأجور فاعلها ..
عن علي قال: لأن أجمع نفرا من إخواني على صاع أو صاعين من طعام أحبّ إليّ من أن أخرج إلى سوقكم فأعتق رقبة [المفرد 566] فأولموا بارك الله فيكم!.
11. عبادة قضاء حوائج الناس:
ومما يتيحه الصيف من العبادات السعي في قضاء حوائج الناس، وإدخال السرور عليهم بتفريج كربهم؛ فمن وجد من وقته سعة وفرصة، ورأى في نفسه قدرة في هذا الباب فليسرع .. يعين المحتاج، ويحمل عن العاجز، ويوصل المنقطع بسيارته ... إلخ. وصور العون لا تنتهي.
عن ابن عمر أن رسول الله قال: ... ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة [الشيخان].
وعن زيد بن ثابت عن رسول الله قال: لا يزال الله في حاجة العبد ما دام العبد في حاجة أخيه [الطبراني، الترغيب 3870].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك سرّه الله عز وجلّ يوم القيامة [الطبراني بإسناد حسن، الترغيب 3877].
وعن ابن عمر مرفوعا: أحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعا، أو تقضي عنه دينا [أبو الشيخ، وهو حسن بشواهده، الترغيب 3880].
وكان رسول الله يتخلف في المسير فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو له [أبو داود بسند حسن].
ومن هذا الباب أيضا عبادة (إماطة الأذى عن الطريق) ... فلو جعل أحدنا جزءا من وقت فراغه للمرور على شارع حيّه ليرى الأذى فيزيله، والشرّ فيميطه لرجع بأجر وافر جزيل.
عن أبي برزة قال: قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: أمط الأذى عن طريق الناس [مسلم].
عن أبي هريرة عن النبي قال: مر رجل بشوك في طريق، فقال: لأميطنّ هذا الشوك لا يضرّ رجلا مسلماً فغفر له [الشيخان].
12. ضبط النفس والتحكم في الانفعال:
ومن عبادات الصيف أيضا .. ضبط النفس .. فإن شدة الحر، وفساد الجو، يدفع إلى الحدّة في الطباع، والغلظة والنفرة، فربما آذى الإنسان وشتم وغضب واحتدّ لأتفه الأسباب .. والصيف فرصة للتعوّد على (ضبط النفس) وعبادة (الحلم) و (العفو) و (الصفح) و (كفّ الأذى).
13. عبادةُ تربية الأبناء!:
وأشيرُ إلى عبادةٍ يغفلُ عنها الناسُ .. وهي عبادةُ (تربية الأبناء) .. وإنها والله لعبادةٌ جليلةٌ متعدية النفع والأثر.
وحريٌّ بالأب أن يستغل في الصيف فراغ أبنائِهِ وربما فراغه هو ليوثّق صلتَهُ بهم، ليتحبب إليهم ويتودّد إليهم، يفكر كيف يزيل الحواجز التي قد تفصل بينهم، برحلةٍ، أو زيارةٍ، أو نزهةٍ، أو غير ذلك.
وأعتقد أن الأب الذي يعاني من فجوةٍ بينه وبين أبنائِهِ، من أنهم لا يستمعون إليه، ولا ينتصحون بنصحِهِ، أعتقد أنه لو رسم لنفسِهِ هدفًا ألا ينقضي هذا الصيف إلا وقد حسن ما بينه وبين أبنائِه واقترب من قلوبهم درجةً لو فعل ذلك لكان هذا الصيف أبرك صيفٍ مرّ به.
فاهتموا بهذه الفكرة وجدوا في تأملها أيها الآباء .. ترجعوا بخير وافرٍ، وسعادةٍ غامرةٍ.
14. اغتنامِ الصيفِ في مشاريع العبادة:
وأختمُ بالإشارةِ إلى ضرورةِ اغتنامِ الصيفِ في (مشاريع العبادة) وأعني بها تلك العبادات التي تحتاجُ إلى وقتٍ مكثّفٍ ومحدّدٍ لإنجازِها، ويكون الصيف بطبيعتِهِ فرصةً ملائمةً لها .. ومن ذلك:
حفظ القرآن أو شيءٍ منه، أو مراجعتُهُ وتمكينُهُ، أو تكثيرُ ختمِهِ؛ فكل ذلك مما يسع الإنسان أن يبرمج نفسه في الصيف لإنجازِهِ.
ومن ذلك طلبُ العلمِ، كأن يعزمَ المسلمُ على إتقان بابٍ من العلم، كأن يجعل من غايتِهِ في هذا الصيف أن يتعلم أحكام الصلاةِ مثلاً، فيبحث عن درس أو دورةٍ تعالج هذا الباب فيلتزمها حتى يستوفيه.
ومن ذلكَ تعلُّمُ مهارةٍ، أو إتقانٍ خبرةٍ بنيّةِ إفادة الأمة وخدمة المسلمين، إلى غير ذلك مما يمكنُ ضبطُهُ وإنجازُهُ في شهرين أو ثلاثةٍ.
وعلى كل أيها الأحبّةُ ...
فهذا نثارٌ من الأفكار وما في عقولكم وأذهانكم أكبر لو تأملتم ..
وقاني الله وإياكم لفحة الهجير في الدنيا، ولهيب النار في الآخرة ..
زاد الطريق
¥