تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأعرض عما لا يفيد عملاً للمكلف إلى شيء يفيد عملاً، فقال: هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]. ولما سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: متى الساعة؟ هذا لا يفيد، والله عز وجل اختص بمعرفته، فبماذا أجاب عليه الصلاة والسلام؟ (ما أعددت لها؟). ولما جاء صبيغ بن عسل يشوش ويسأل في مجالس العامة: ما هي المرسلات؟ ما هي السابحات؟ فأمسك به عمر فضربه حتى أدماه، ثم نفاه حتى تاب. فكل مسألة لا ينبني عليها عمل ولا عقيدة، فتركها واجب: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) مثل الاشتغال بمعرفة الحروف المقطعة، ولذلك قال الشاطبي رحمه الله: كل علم لا يفيد عملاً -سواء كان عمل قلب أو عمل جوارح- فليس في الشرع ما يدل على استحسانه.

ترك الغرائب والشواذ:

ومن القواعد في المنهج أيضاً، ترك الغرائب والشواذ، قال الأكرم: سأل رجل أبا عبد الله -الإمام أحمد - عن حديث؟ فقال أبو عبد الله: الله المستعان! تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم! وقال الحسن بن محمد: سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن أحاديث غرائب؟ فقال: شيء غريب! أي شيء يرجى به؟! يطلب الرجل ما يزيد في أمر دينه، وقال: شر الحديث الغرائب التي لا يُعمل بها ولا يُعتمد عليها. وقال النخعي: "كانوا يكرهون غريب الحديث". وقال علي بن الحسين: "العلم ما تواطأت عليه الألسن". ما اشتهر بين العلماء، هذا هو العلم، أما أن تأتي بالغرائب والشواذ؛ فهذا خطأ في منهج طلب العلم. ولذلك فإن بعض الشباب إذا أقبلوا على القراءة أحياناً، فقرءوا -مثلاً- في كتاب صحيح الجامع، يجعلون قراءتهم فيه، ويقولون: نطلب العلم، فقد يمر بحديث منسوخ، أو حديث في متنه نظر، أو حديث خالف قواعد وأصول أخرى، فيعتمدونه، ولذلك يحصل عندهم من الأخطاء شيء كثير، ثم يجادلون به أهل العلم، فيضيعون الأوقات من أعمارهم وأعمار غيرهم.

حقيقة طالب العلم:

قبل أن نكمل مسألة الضوابط ومعالم المنهج، لابد أن نعرج على مسألة؛ لأن سياق الحديث قد يتغير عند بحث هذه المسألة، وهذه القضية هي: عندما نقول: طالب العلم والمنهج، فمن هو طالب العلم الذي نقصده؟ وهل كل الناس يصلحون أن يكونوا طلبة علم؟ والحال التي نعيش فيها نحن اليوم، وتركيبة المجتمع، وهذه الوظائف الموجودة وغير ذلك، هل هي تمكن الناس فعلاً أن يكونوا طلبة علم؟

هل كل الناس يصلحون لطلب العلم:

أيها الإخوة! إن الناظر في الواقع لابد أن يعرف ويخرج بنتيجة واضحة وهي: أن الناس جلهم لا يمكن أن يكونوا طلبة علم. فهناك اختلافات في السنة والوظيفة والدراسة .. منهم من يدرس الطب والهندسة، ومنهم من يدرس الشريعة، وحتى في الذكاء والفطنة والرغبة والميول يتفاوتون، وفي التفرغ منهم من يكون عزباً دوامه قصير، أو جدوله قليل، ومنهم من يكون صاحب أسرة وأولاد وعمله طويل، وقد يعمل عملاً إضافياً، وقد يعمل بالليل والنهار، وهذه القيود من التفرغ والتخصص والميول والتفاوت في القدرات العقلية، لابد أن تلجئنا إلى شيء مهم جداً لابد أن نعترف به عند الخوض في هذه القضية، من الناس من هو عامل، ومنهم من هو مهندس، ومنهم من يشتغل بالدعوة إلى الله، ومنهم من هو منشغل بأمر نفسه. وحتى البلاد تختلف، فمن البلاد من يكون فيها علماء، ومن البلاد ما لا يكون فيها علماء، ومن البلاد من فيها عالم في فن واحد، ومنها ما فيها عالم في عدة فنون، ومن البلاد ما يكون فيها جامعات شرعية إسلامية، ومن البلدان والقرى ما لا يكون فيها جامعات شرعية، ومن البلاد ما يكون فيها دروس في المساجد، ومن البلاد ما ليس فيها دروس في المساجد. ولذلك لابد أن نقرر -وهذا الكلام مهم جداً- أن هناك فرقاً عظيماً بين المتفرغ لطلب العلم وغير المتفرغ، المتفرغ لطلب العلم الذي دراسته شرعية، وعنده أهلية واستعدادات، وبين الإنسان المنشغل الذي يدرس قضية أخرى، قد يدرس في الهندسة أو الطب، أو يدرس في علوم خارجة عن الشريعة متنوعة، لاشك أن هذا الرجل المنشغل بأشياء أخرى يصعب عليه أن يكون طالب علم. نحن لا ننفي ولا نقول: لا يمكن للطبيب وللمهندس أن يكون طالب علم! لا، وهذا خطأ، والذين يقولون: أي طبيب أو مهندس يدخل في نقاشات علمية هذا متطفل، هؤلاء أناس مخطئون عندهم غلو في القضية. نعم. إن غالب المهندسين والأطباء ليسوا طلبة علم، ولا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير