فهو عندما يتخذ مرضاة الله عز وجل ومحبّته ميزانا يزن به كل عمل يقوم به، يجد أن تلك العادات التي أشرنا إليها آنفاً وكثير غيرها لا تتفق مع هذه المحبة لله عز وجل بل تعمل في اتجاه معاكس لها، ويجد بذلك أن مثل تلك العادات تخرجه عن دائرة العبودية الصادقة لله، وإذا كان الأمر كذلك فيجب عليه أن يتخلص منها في أسرع وقت ممكن.
وفي فترة الاعتكاف لا يحق للمسلم أن يخرج إلا لحاجة إيجابية ترتبط بتسهيل أمر الاعتكاف في المسجد، وما عدا ذلك يجب أن يمتنع عنه وإن كان مباحاً، فهو - على سبيل المثال - لا يحق له أن يتجول في الأسواق - ولو لفترة بسيطة - ليشتري منها ما لا ارتباط له بأمر الاعتكاف، فلو خرج لشراء سواك لم يكن في هذا حرج على اعتكافه، لأنه من متطلبات الصلاة في اعتكافه، ولكن لو خرج لشراء هدية لزوجته، أو لأحد أبنائه، فذلك مبطل لاعتكافه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما ورد سابقاً كان لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، فكيف إذا خرج المعتكف لأمر محرم كشرب الدخان مثلاً أو لمشاهدة برنامج فضائي قد اعتاد مشاهدته، لا شك أن ذلك مبطل لاعتكافه لا محالة.
وكذلك لو خرج يشرب خمرا أو يتعاطى تدخينا بطل اعتكافه. وعموما فإنّ أي خروج لغير عذر يبطل الاعتكاف ومن باب أولى الخروج للمعصية، ولا يجوز له حتى لو خرج لقضاء حاجته أن يُشْعل في الطريق سيجارة يدخنها.
فالاعتكاف فرصة سنوية يستطيع فيها المعتكف أن يتخلص من هذه البلايا عن طريق التوبة والالتجاء إلى الله عز وجل أولاً، وعن طريق فطام النفس عن تلك المعاصي في فترة الاعتكاف، وعدم تحقيق رغبة النفس منها، وتعويدها على ذلك.
هذه الطاعات المستمرة لله عز وجل تحتاج إلى صبر مستمر من قِبَل المعتكف، وفي هذا تربية للإرادة، وكبْح لجماح النفس التي عادةً ما ترغب في التفلّت من هذه الطاعة إلى أمور أخرى تهواها.
وهناك الصبر على ما نقص مما ألِفته النفس من أنواع الطعام المختلفة التي كان يطعمها في منزله، فتلك الأنواع لا تتوفر في المسجد، فيصبر على هذا القليل من أجل مرضاة عز وجل.
وهناك الصبر على نوع الفراش الذي ينام عليه، فلن يوضع له سرير في المسجد، أو فراش وثير كالذي ينام عليه في منزله، فهو ينام على فراش متواضع جداً إن لم يكن فرش المسجد.
وهناك الصبر على ما يجد في المسجد من مزاحمة الآخرين له، ومن عدم توفر الهدوء الذي كان يألفه في منزله إذا أراد النوم.
وهناك الصبر عن شهوة الزوجة إذ يحرم عليه مباشرتها عند دخوله إلى منزله للحاجة حتى التقبيل والعناق، وهي حلاله، وفي هذا الأمر تتجلى قيمة الصبر وقيمة القوة في الإرادة وضبط النفس، ومن خلال هذه المواقف وغيرها نجد أنه يمكن تربية الإنسان على القدرة على تأجيل كثير من الأمور والرغبات العاجلة من أجل أمور أهم منها، فهو يؤجل كل هذه الحاجات النفسية والمادية العاجلة من أجل الفوز برضى الله تبارك وتعالى.
(9) الاطمئنان النفسي
(10) قراءة القرآن وختمه
(11) التوبة النصوح
(12) قيام الليل والتعود عليه
(13) عمارة الوقت
(14) تزكية النفس
(15) صلاح القلب وجمعه على الله عز وجل.
نسأل الله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.