تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حدثت هذه الجنازة في بيتنا، لحظة فقدنا لحبيب الجميع، وأحب الجميع إلى الجميع، الهاش الباش، الحريص على أن يكون أول من يستقبلك، وأعلاهم صوتا، وأكثرهم عاطفة، لا يهدا إلا إذا داعبته، ولا يستريح إلا إذا أشبعك تقبيلاً، .. مات الذكي الذي كان يحتفظ في ذهنه بخريطة لساكني البيت يرتب فيها مواقعهم وأقدارهم، فيحترم الكبير ويزمجر مع الصغير، ويبالغ في دلاله مع ابنتي الكبرى، ما أكثر ما رأيته مبتسما وهو يستقبلني بعد عودتي من السفر، .. فوالله كانت له ابتسامة تسعد الكون كله .. ست سنوات على الحلوة والمرة، فرض نفسه على الكبير والصغير، وأصبح محوراً للمنزل كله، يعرفنا الناس به، ويسألنا المقربون عنه ".

ليس هذا فقط فللفقيد مآثر أخرى:

" .. ووالله كان يتكلم بعينيه كلاماً أبلغ من كل قول .. والله كان يفهم العدل، ويسعى لإقامته، إذا تشاجر الأبناء انتصر للمظلوم و هبّ في وجه الظالم، مهما كان حبه له " ..

يضيف:

" … ثم حدثت الفجيعة حين سافر الأولاد مع أمهم إلى مرسى مطروح، وفي مرسى مطروح نام الجميع من إرهاق السفر عدا زوجتي التي خطر لها أن تتجول حول البيت لدقائق، فإذا به يتسلل وراءها دون أن تحس به، وما أن عبرت الطريق حتى ترامى إلى سمعها صوت ارتطام وحشرجة صوت مميز .. لقد سقط على قارعة الطريق، كأنه جثة هامدة، غير أنها نادته – وهي تهرول نحوه _ رفع رأسه إليها ملبيا النداء، ثم هبط رأسه وانتهى الأمر ".

يضيف:

" …لا تسل عن صراخ الأبناء والبنات، ولا عن حزنهم، ولاعن قرارهم بقطع الرحلة بعد يوم واحد والعودة إلى القاهرة، ولا عن موكبهم الحزين لدفنه مودعاً بالدموع،ولا عن حزني وأنا أتلقى نعي ابن عزيز ".

يضيف:

" .. جاهد وهو صغير .. "

قلت: ما أعظم مآثر الفقيد، وما أعظم المصاب فيه .. ، ترى لعلك تسأل معي: في أي باب يا ترى من أبواب الجهاد؟؟!!، انتظر قليلا .. لا تتعجل …. يضيف (الشهيد) ويجيب:

". جاهد وهو صغير، حتى يستطيع القفز فوق الأسِرّة ". (جمع سرير).

من هذا الذي كان جهاده القفز فوق الأسِرّة والأثاث؟؟!!، هل فقد الرجل أحد أبناءه الصغار؟؟، ترى: من هذا الفقيد المجاهد!!؟، تتساءل أنت وأتساءل معك عن هذا الفقيد المحترم الغالي .. ، وأعجب أنا، واعجب أنت معي كل العجب حين يكشف لي ولك (الشهيد) فرج فودة عن شخصية الفقيد المجاهد النبيل (رحمه الله) فيقول:

" .. إنه " سوكي " الكلب " اللولو المالتيز " صاحب الشعر الأبيض الطويل الجميل، والقبعة الرمادية التي تزيد وجهه جمالاً .. نعم، لقد كان أقرب إليَّ من حبل الوريد .. ".

[آخر مقال كتبه (الشهيد) فرج فودة، مقال عنوانه " غدر البشر ووفاء الكلاب "، مجلة " كل الناس " العدد الصادر يوم 1/ 7/1992، ص 26 - 27].

أستغفر الله العلي العظيم القائل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ..

يا ألله!!!! هكذا قال:

.. إنه " سوكي " الكلب " اللولو المالتيز " صاحب الشعر الأبيض الطويل الجميل، والقبعة الرمادية التي تزيد وجهه جمالاً .. نعم، لقد كان أقرب إليَّ من حبل الوريد .. ".

نسأل الله العفو والسلامة.

أقمتم يا قوم مأتماً وعويلا على روح أستاذكم (الشهيد) الذي لم يبكه أحد!!، وأقام (الشهيد) ـ قبيل وفاته بأيام ـ مأتماً على روح فقيده عبر صفحات " كل الناس "، لكن للأسف الشديد: " الجنازة حارة والميت كلب "!!.

إنني أدعو ومعي أخونا أبو إسلام أحمد عبد الله إلى أن تكثف الحكومة كافة جهودها مع كل من يهمه الأمر للبحث عن: من قتل هذا الكلب؟، حتى ينال القاتل جزاءه!!!، خاصة وأن (الكلب) لم يعقر أحداً، ولم يسب ديناً، ولم يهزأ بعالم من علماء الإسلام ورجاله … .. ، فلا يُعقل أن تنصرف الجهود كافة للبحث عن قاتل (الشهيد) صاحب الكلب، وتترك قاتل الكلب الذي ارتكب جريمته وهرب مسرعا لأن أحدا لم يتعقبه كهؤلاء الذين تعقبوا قتلة صاحب الكلب:

لَكلب الناس إن فكرت فيهم ... أضرّ عليك من كلب الكلاب

لأن الكلب تخسؤه فيخسا ... وكلب الناس يربض للسباب

لقد استعرض (الشهيد) فرج فودة قوة وسلاطة لسانه في كافة الميادين العامة، وحاول بكل السبل والوسائل أن يؤكد أنه أقوى من كل العلماء والشيوخ والدعاة والمفسرين، بل من فقهاء المذاهب الكبرى في تاريخ المسلمين. حتى شيخ الأزهر لم يسلم من أذاه، ونال من القرآن والسنة والشريعة وتاريخ الإسلام وعلمائه .. فرفع لواء الظلم لنفسه ودينه ودين المسلمين بما أفتى، وبما سب وشتم، وبما أساء، وبما أرغى وأزبد.

هذا هو (الشهيد) فإذا كنتم تغبطونه على (الشهادة)، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يعطيكم ما أعطاه للفقيد من (شهادة)، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " وفي حديث آخر: " ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم " وفي رواية: " إلا حشره الله معهم ".

وهنيئاً لكم أن تُحشروا مع (الشهيد) العظيم في نفس الدرجة من (الشهادة)!.

0

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير