تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأمر الثالث أو الطريقة الثالثة من طرائق معرفة الله جل جلاله، التعرف على عجائب هذا الكون وبديع صنعة الله في خلقه، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير؟ السماوات السبع المرفوعة من غير عمد ترونها، والأرض التي جعلها الله كفاتا أحياء وأمواتا تحمل الأحياء على ظهرها، وتواري الأموات في بطنها، تسقى بماء واحد ويفضل بعضها على بعض في الأكل في القطعة الواحدة، يخرج ما لونه أحمر وما لونه أصفر وما لونه أخضر وما هو بنفسجي وطعمه متفاوت هذا حلو وهذا مر وهذا مز، ألوان مختلفة وطعوم مختلفة حتى في الشجرة الواحدة في ثمراتها، كل هذا من تدبير الله وآياته العجيبة، في الكون كله:

وفي كل شيء له آية** تدل على أنه واحد

يحفر أحدنا حفيرا طوله ثلاثة أمتار فيجد في أسفله دودا جميلا سمينا ناصع اللون من أين يأتيه الأكسجين من أين تأتيه النفقة، ماذا يشرب ماذا يأكل؟ ?وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها?، تجد البهائم والذئاب والغزلان في الخلاء تعيش طيلة العام من أين تشرب وهي في مكان ليس فيه ماء، تجد الجبال الشامخات الراسيات وما فيها من أنواع الخلائق، تجد البحار التي هي أمواج بعضها يركب بعضا، تجد الظلمات الشديدة التي تنجلي بأشعة الشمس وضوئها، القارات سواء منها ما كان يبسا وما كان سائلا، القطبان وما فوقهما من أنواع الثلوج وما فيهما من الخلائق، أنواع الناس وطباعهم وألوانهم وأرزاقهم واختلاف ذلك كل هذا من آيات الله جل جلاله، وبتعرفك على هذه الآيات تعرف الله جل جلاله بعظمته وكبريائه وتدبيره وغلبته على خلقه ونفاذ حكمه وتمام إرادته وتصرفه، وكل هذه من تمام سلطانه جل جلاله، فإذا عرفت الله جل جلاله أحببته فدعاك ذلك إلى المبالغة في العبادة له جل جلاله، والتقرب إليه، ولن تتقرب إليه بشيء أحب إليه مما افترضه عليك ثم بعد ذلك بالنوافل، ولا تزال تتقرب بالنوافل وتزداد قربا من الله حتى يوصلك إلى مقام المحبوبين عنده الذين لا تقع ذنوبهم إلا مغفورة، فيحل الله عليهم رضوانه الأكبر الذي لا سخط بعده، فلا تقع ذنوبهم إلا مغفورة سبقتها المغفرة، وهؤلاء هم الذين يسروا للطاعة فجوارحهم ميسرة للطاعة، حتى من غير شعور، كما ترون تيسير التنفس، فأنت الآن لا تفكر كيف تتنفس ولا تفكر كيف تنضج الطعام في بطنك، الطعام عهدك به عندما ابتلعته، قبل ذلك شاركت في زراعته وفي طبخه وفي عجنه وفي مضغه، لكن بعد أن تبتلعه كثير جدا من المراحل سيمر بها لا دخل لك فيها، وهي أقرب إليك، المرحلة البعيدة بذره في الأرض وسقيه، ثم بعد ذلك مراحل دونها وكلما اقترب كلما ضعفت مشاركتك فيه، والآن إذا ابتلعته ووصل إلى جوفك انقطعت أخباره عنك، وسيوزع أقساما منه ما يذهب إلى لون العين بياضها وسوادها ومنه ما يذهب إلى الشعر ومنه ما يذهب إلى لون البشرة، ومنه ما يكون عرقا، ومنه ما يكون بولا، ومنه ما يزيد الكريات الحمراء في الدم ومنه ما يزيد البيضاء، ومنه ما يزيد في الأعصاب والقوى، ومنه ما يذهب في غير ذلك من أنواع التمددات الجسمية، وليس لك أية مشاركة في هذا، ولذلك قال الله تعالى: ?سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق?، يتبين معناه يتضح بما لا يقبل مجالا للشك أنه أي القرآن الحق، هو الحق من عند الله لا لبس فيه ولا ريب ?ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين?

أجاب عنه الشيخ الددو حفظه الله.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير