تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما زال أسلوب علي الطنطاوي يبتعد عن المبالغة والتكلّف، ويغلب عليه القَصدُ والصّدق والطّبْعُ، حتى غدا هو الطنطاويَّ نفسَه بلا زيادة ولا نقصان، فإذا قرأتَ الطمطاويَّ، رأيتَه من خلال سطوره وكلماته كما هو في واقع الحياة، وهذه مرتبة لا يبلغها إلا الأُصَلاءُ البُلَغاءُ المتميّزون من أمراء البيان< O:P>

وإذا أردتَ يا قارئيأن تعرف ما هو "السّهل الممتنع" حقيقةً لا وصفاً، فقرأ الطنطازيّ أو اسمعه، فأسلوبه هو السهل الممتنع في صورة من أندر صوره، في سهولته وسلاسته، وسلامته وبلاغته، وسحره وحلاوته، ودقّته المدهشة في التصوير والتعبير، وقدرته الفائقة على تيسير العسير، وتقريب البعيد، والوصول بالأفكار والمشاعر، والحقائق والمعارف، بطريقة بسيطة مفهومة محكمة محبّبة، إلى الكبير والصغير، والمرأة والرجل، والمتعلّم والعامّيّ، من مختلف طبقات الناس< O:P>

ولا أنسى للشيخ علي – كما تعوّدنا أن نقول – مقالاته الطريفة الساخرة، التي كانت تحمل خفة ظلّه، وحلاوة فُكاهته، ولُطف دُعابته، ولواذع سخريّته؛ وإنك لتقرأ هذه المقالات الساخرة فلا تملك نفسك من الابتسام بعد الابتسام، ومن القهقهة مرةً أو مرّات< O:P>

علي الطنطاوي – دون شك – واحد من كبار أمراء البيان في هذا العصر؛ بل إن بعض صفحاته لترفعه مكاناً عليّاً بين أمراء البيان في سائر العصور< O:P>

http://alattar.ifrance.com/images/divider.gif

وفي سنة 1945 أو 46 افتتح المعهد العربي الإسلامي في دمشق، وحضرتُ فيه بعض الدّروس. ودعت إدارةُ المعهد مرة الأستاذ الطنطاوي لإلقاء درس أو محاضرة أدبيّة على طلبة صفوفه العليا وبعض أساتذته، وحصر الأستاذ الطنطاوي وألقى الدرس أو المحاضرة، ثم طلب إلى الحضور أن يسألوا أو أن يعقّبوا على ما قال، وتكلّمتُ كما طلب، وكان لي نظرة غيرُ نظرته، ورأيٌ غير رأيه في بعض ما سمعناه منه، وبعد نحو دقيقتين أو ثلاث استوقفني، وطلب إليّ أن أقف بدَلهعلى المنبر، وأن يجلس بدلي على مقعد الدّرس، فأبيت واستحييت، فأقسم عليّ أن أفعل، وقال لي بحرارة وحبّ: أنت أحقُّ بأن يُتلَقّى عنك، ثم التفت إلى الحضور وبينهم بعض الأساتذة وقال: والله لا أدري كيف يأتون بمثلي وعندهم هذا العالِمُ الأديب< O:P>

ووقفتُ على المنبر، ولم أتابع الحديث فيما كنت فيه؛ ولكنني تحدثت عن الأستاذ الطّنطاوي، وعن آثاره، وخصائص أدبه، حديث العارف المستوعب النتعمّق، وهو ينظر إليّ بدهشة ولا يكاد يصدّق، فلمّا انتهيت قال لي: من أنت؟ قلت عصام العطّار. قال: هل تعرف الشيخ رضا العطّار؟ قلت: هو أبي، وكان أبي أيضاً من رجال القضاء. ومنذ ذلك الوقت بدأت معرفتنا الشخصية المباشرة، وأخذت خطاي طريقَها إلى بيته في الجادة الخامسة في المهاجرين، وخطاه طريقها إلى بيتنا في "الزهراء" قرب الجسر الأبيض، واتصلت حبال الودّ بين الأسرتين، الرجال بالرجال، والنساء مع النساء، كان محمد سعيد، الأخ الأصغر لعلي الطنطاوي، أخاً لي وصديقاً أثيراً، ووالله ما رأيتُ على طول ما عشت، وكثرة من قابلتُ على هذه الأرض، أزهد منه ولا أكرم ولا أعبد، فألف سلامٍ وسلامٍ على أخي الحبيب، وصديقي الصدوق/ محمد سعيد الطنطاوي، في شيخوخته ومرضه ووحدته في مكة المكرّمة< O:P>

ولم أذكر ما ذكرتُه من حديثي مع الأستاذ الطنطاوي للتفاخر به، وقد جاوزتُ الآن السبعين من العمر، وليس من عادتي – كما يعلم المقرّبون من أصدقائي – أن أتفاخر بمثل هذه الأمور، وإنما ذكرته لأمرين: أولهما أن أدلَّ على أريحية الأستاذ وخلقه وكرمه، وحرصه على تربية الملكات، وتفتيح الإمكانات، وتشجيع من يقدّرُ فيهم الخير، فأنا لا أعرف أستاذاً له شيءٌ يسيرٌ من علم الطنطاوي ومنزلته وشهرته يمكن أن يعامل تلميذاً لم يكن يعرفه، بمثل ما فعل الطنطاوي. ثانيهما أن أسجل اللحظة والمناسبة التي وُلِدت فيها معرفتنا الشخصية المباشرة، وأخوتنا وصداقتنا التي نمت وازدهرت مع الأيّام< O:P>

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير