تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لايأيتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومعلوم عند أهل اللغة أنه مامن قصيدة في دواويين الشعر القديم والحديث تخلو من عيب نحوي أو صرفي أو اضطراب واختلاف أو معنى مبتذل وصدق الله القائل " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" (النساء 82). وإذا كان الشعر الجاهلي لم يخل من ذلك فكيف يخلو منه ماهو دونه في اللغة والبيان فهذا طرفة في قوله "قد رفع الفخ فماذا تحذري " قد حذف النون وهذا الراعي النميري في قوله "تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسبا وابنا نزار وأنتم بيضة البلد" فسكن تعرف ضرورة وهذا شاعر الجاهلية أمرؤ القيس في قوله " لها متنتان خظاتا كما أكب على ساعديه النمر" حذف النون وقول زياد الأعجم "عجبت والدهر كثير عجبه من عنزي سبني لم اضربه" فرفع اضربه وقول الفرزدق "وعض زمان يابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف" فضم مجلفا. وهذه أمثلة قليلة جدا ذكرناها لبيان نقصان الشعر وعدم كماله عند اساطينه وسادته ولذلك لم يرد الله لرسوله –صلى الله عليه وسلم- إلا الكمال فعصمه من الشعر لنفي الظنة ولتطهير فمه وقلبه من قول ناقص وبيان غير مكتمل فوهبه الوحي الكامل وجنبه قول الشعر لما ذكرناه وليبقى مثال الفصاحة والبيان إلى قيام الساعة فلو كان شاعرا لوقع فيما وقع فيه الشعراء العظام من لحن وزلل واضطرار وإسناد وإقواء وإكفاء وإجازة وإيطاء وتفاوتات البيوت ولذلك أصبح –صلى الله عليه وسلم- مستغنيا بالكامل عن الناقص. ثم لو جاز له أن يكون شاعرا معصوما من ذلك كله لأصبح مشتركا مع الشعراء في الاسم وذلك مالم يرده له سبحانه وتعالى.

ومما ذكره الأزهري في تهذيب اللغة " وقيل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: الأمي، لأن أُمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب، بعثه الله رسولاً وهو لا يكتب من كتاب، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المعجزة، لأنه صلى الله عليه وسلم تلا عليهم كتاب الله منظوماً مع أميته بآيات مفصلات، وقصص مؤتلفات، ومواعظ حكيمات، تارة بعد أخرى، بالنظم الذي أنزل عليه، فلم يغيره ولم يبدل ألفاظه. وكان الخطيبُ من العرب إذا ارْتَجَل خُطْبَةً ثم أَعادها زاد فيها ونَقَص، فحَفِظه الله عز وجل على نَبيِّه كما أَنْزلَه، وأَبانَهُ من سائر مَن بَعَثه إليهم بهذه الآية التي بايَنَ بَينه وبينهم بها، ففي ذلك أَنْزَل الله تعالى: "وما كنتَ تَتْلُو من قَبْلِه من كِتاب ولا تَخُطُّه بِيَمِينِك إذا لارْتابَ المُبْطِلون" الذين كفروا، ولَقالوا: إنه وَجَدَ هذه الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها من الكُتُب."

وخلاصة القول في هذه المسالة أن الأمة المسلمة قد ارتفعت عنها الأمية بمعناها العام بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكيف لا ترتفع عنها وهي التي علمت العالم جميعه مكارم الأخلاق من حقوق الوالدين والأبناء والجار وإكرام الضيف وغض البصر وإغاثة الملهوف وكثيرا مما لا يتسع المقام لذكره ومن نافلة القول أن أمة تتصارع حضارتها مع هذه القيم والأخلاق لفي خسران عظيم. وكيف يقال عن هذه الأمة أنها أمة أمية وقد أنجبت الصديق والفاروق وعثمان وعلي وسائر أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رضوان الله عليهم أجمعين وأنجبت ربيعة الرأي وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل والخليل وسيبويه وكثيرا ممن لا يحصى. كما أن الأمية لا يمكن أن تعود إلى هذه الأمة إلا متى عادت إلى جاهليتها الأولى وتركت كتاب ربها وراءها وتنكرت لدينها ونبيها ومكارم أخلاقها التي تممها رسولها عليه أفضل الصلاة والتسليم.

أما الأمية بمعناها الخاص, عدم معرفة الكتابة, فما مات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا وقد رفعها عن أمته بما يكفي لنقل هذا الدين كاملا غير منقوص من جيل الصحابة إلى جيل التابعين ودليل ذلك قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" ولا يمكن أن يكمل الدين إلا بمعرفة الكتابة والقراءة وإلا كيف تتواصل الأمة مع كتاب ربها وسنة نبيها –صلى الله عليه وسلم- من غير معرفة لقراءة وكتابة وقصة مفاداة أسرى بدر خير دليل على ذلك. وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إنما بعثت معلما" فيه دلالة واضحة على أن رسالته جاءت إلى الناس لترفع عنهم الأمية بمعناه العام والخاص.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير