تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خامساً: المذاكرة، وقد ورد في الأثر: (حياة العلم مذاكرته)، وقال بعضهم: (تذاكروا الحديث فإن بعضه يهيّج بعضا)، وما نسي العلم إلاّ بترك مذاكرته، وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (تذاكروا الحديث لا يتفلت منكم، إنه ليس بمنزلة القران، إن القران محفوظ مجموع وإنكم إن لم تذاكروا الحديث تفلت منكم، ولا يقولن أحدكم حدثت أمس ولا أحدث اليوم بل حدّ أمس وحدث اليوم وحدث غداً) وقال: (مذاكرة العلم ساعة خير من إحياء ليلة).

قال الخليل النحوي: (وأصفى ما يكون ذهن الإنسان وقت السحر).

قال الخطيب البغدادي: (أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم وسط النهار ثم الغداة).

وقال: (حفظ الليل أنفع من حفظ النهار).

وقال: (وأفضل المذاكرة: مذاكرة الليل).

وكان جماعة من السلف يتذاكرون الساعات الطوال، وجاء أن وكيع إذا جاءت العتمة ينصرف إلى الإمام أحمد بن حنبل فيقف عند الباب أخذ بعضادتيه، وقال: يا أبا عبدالله أريد أن ألقي عليك حديث سفيان، قال: هات، قال: تحفظ عن سفيان عن سلمة بن كهيل كذا؟، قال: نعم، حدثنا يحي، فيقول سلمة كذا وكذا، فيقول: حدثنا عبدالرحمن، فيقول: وعن سلمة كذا وكذا، فيقول: أنت حدثتنا حتى يفرغ من سلمة، ثم يقول أحمد: فتحفظ عن سلمة كذا وكذا، فيقول وكيع: لا، ثم يأخذ في حديث شيخٍ شيخ، قال فلم يزل قائماً حتى جاءت الجارية فقالت: قد طلع الكوكب.

وقال علي بن الحسن بن شقيق قمت مع ابن المبارك ليلة باردة ليخرج من المسجد، فذاكرني عند الباب بحديث فذاكرته، فما زال يذاكرني حتى جاء المؤذن وأذن للفجر.

سادسا: التحديث بالمحفوظ، وقال إبراهيم الحربي: (إذا أردت أن تحفظ حديثاً فحدث به)، وهذا أشمل أوسع من المذاكرة، فالتحديث به هو أن تذكره في غالب مجالسك، وإذا جاء مقام يقتضي ذكره فلا تغفل عن التحديث به فهو أنفع لك حفظاُ، وأنفع للناس علماً.

سابعا: ربط المحفوظ ابتداءً بما سبق حفظه، وهذه طريقة نبوية نافعة، كما روى الإمام مسلم من حديث علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم). فربط حفظ هذا الدعاء بشي محسوس فلا ينسى، فربط الهداية بهداية الطريق، وربط السداد بتسديد السهم.

وذكر بعض العلم في ذلك حديث: (سيروا هذا جمدان، سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟، قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات)، فصار الجبل تذكرة لفضيلة الذاكرين لله والذاكرات، فما ذكر أو مر به مار إلاّ ذكر هذه الفضيلة.

فيربط الحافظ محفوظاته بأشياء محسوسة أو محفوظة من قبل، ولو بظاهر الألفاظ!!، ومثال ذلك: إذا أردت أن تحفظ رقم هاتف أو وفاة عالم أو رقم معاملة ما!!، فاربط الرقم برابط فيه لا ينسى أكثر اختصاراً مثل رقم (2003400) لكي تحفظه تقول (مائتين) و (ضعفها) بينها (ثلاثة)، وهذا أسهل من حفظه طويلاً.

أو تربط الرقم برقم تحفظه من قبل فتقول (400) رقم سيارتي!، (2003) السنة الميلادية، أو آخر رقم هاتفي، أو رقم حقيبتي السرّي.

هذا في الأمور العادية، وفي تاريخ الوفيات تربط بين المحفوظات، وتقول: مات أبو حنيفة وعبدالملك ابن جريج في السنة التي ولد فيها الشافعي، عام (150هـ).

ومات الإمام الشافعي وأبو داود الطيالسي وأشهب صاحب مالك، والحسن اللولؤي صاحب أبي حنيفة: في سنة واحدة عام (204 هـ).

ومثله ما اشتهر قولنا: (أسلم أبو هريرة رضي الله عنه عام خيبر سنة سبع).

وهكذا تربط أكثر من محفوظ برابط واحد.

ويحصل أحياناً باختصار الجمل في جملة أو بيت شعر كـ حروف الإظهار مجموعة في أوائل قولك: (أخي هاك علماً حازه غير خاسر)، وحروف المضارعة مجموعة في كلمة (نأيت) إذا جاءت في أول الفعل، قال الحريري:

وسمطها الحاوي لها (نأيت) فاسمع وعِ القول كما وعيت

ثامناً: أكل ما يعين على قوة الحفظ. وكل ما استهوته النفس فهو مقوٍ للحفظ، كما أن كل ما تعافه النفس وتكرهه، ويعكر أمزجتها فهو مما يورث النسيان، وهناك بعض الأطعمة التي تنشط الحافظة كـ: أكل الزبيب، وأكل اللبان، وشم الطيب، والحجامة، شرب زمزم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير