تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقذفه قذفة عالية تلقيه من حاليق، فتدق عظامه قوائمه!

قال الصغير: فماذا تخشى بعد الذئب؟ أن كانت العصا فهي إنما تضرب منك الصوف لا الظهر.

قال الكبش: ويحك! وأي خروف يخشى العصا؟ ويه إنما تكون عصا من يعلفه ويرعاه، فهي تنزل عليه كما تنزل على ابن آدم أقدار ربه، لا حطما ولكن تأديبا أو إرشادا أو تهويلا؛ ومن قبلها النعمة، وتكون معها النعمة، وتجيء بعدها النعمة؛ أفبلغ الكفر ما يبلغ كفر الإنسان بنعمة ربه: إذا أنعم عليه أعرض ونأى بجانبه، وإذا مسه الشر انطلق ذا صراخ عريض؟

وكيف تراني (ويحك) أخشى الذئب أو العصا، وأنا من سلالة الكبش الأسدي؟

قال الصغير: وما الكبش الأسدي، وكيف علمت أنك من نجله، ولا علم لي أنا إلا هذا الكلأ والعلف والماء والمراح والمغذى؟

قال الكبش: لقد أدركت أمي وهي نعجة قحمة كبيرة، وأدركت معها جدتي وقد أفرط عليها الكبر حتى ذهب فمها، وأدركت معهما جدي وهو كبش هرم متقدد أعجف كأنه عظام مغطاة، فعن هؤلاء أخذت ورويت وحفظت:

حدثتني أمي، عن أبيها، عن أبيه، قالت: إن فخر جنسنا من الغنم يرجع إلأى كبش الفداء الذي فدى الله به إسماعيل بن إبراهيم –عليهما السلام- وكان كبشا أبيض أقرن أعين، اسمه حرير.

(قال): واعلم يا ابن أخي أن مما انفردت أنا به من العلم فلم يدركه غيري، أن جدنا هذا كان مكسوا بالحرير لا بالصوف، فلذلك سمي حريرا ...

(قالت أمي): والمحفوظ عند علمائنا أن ذاك هو الكبش الذي قربه هابيل حين قتل أخاه، لتتم البلية على هذه الأرض بدم الإنسان والحيوان معا.

(قالوا): فتقبل منه وأرسل الكبش إلى الجنة فبقي يرعى فيها حتى كان اليوم الذي هم فيه إبراهيم أن يذبح ابنه تحقيقا لرؤيا النبوة، وطاعة لما ابتلي به من ذلك الامتحان، وليثبت أن المؤمن بالله إذا قوي إيمانه لم يجزع من أمر الله ولو جر السكين على عنق ابنه، وهو إنما يجرها على ابنه وعلى قلبه!

(قالت) فهذا هو فخر جنسنا كله ...

أما فخر سلالتي أنا، فذاك ما حدثتني به جدتي، ترويه عن أبيها، عن جدها، وذاك حين توسمت في مخايل البطولة، ورجت أن أحفظ التاريخ. قالت: إن أصلنا من دمشق، وإنه كان في هذه المدينة رجل سباع، قد اتخذ شبل أسد فرباه وراضه حتى كبر، وصار يطلب الخيل، وتأذى به الناس، فقيل للأمير*: هذا السبع قد آذى الناس، والخيل تنفر منه وتجد من ريحه ريح الموت، وهو ما يزال رابضا ليله ونهاره على سدة بالقرب من دارك. فأمر فجاء به السباع وأدخله إلى القصر، ثم أمر بخروف مما اتخذ في مطبخه للذبح، وأدخلوه إلى قاعة، وجاء السباع فأطلق الأسد عليه، واجتمعوا يرون كيف يسطو به ويفترسه.

قالت جدتي: فحدثني أبي، قال: حدثني جدك: أن السباع أطلق الأسد من ساجوره وأٍسله، فكانت المعجزة التي لم يفز بها خروف ولم تؤثر قط إلا عن جدنا، فإنه حسب الأسد خروفا أجم لا قرون له، ورأى دقة خصره، وضمور جنبيه، ورأى له ذيلا كالألية المفرغة الميتة، فظنه من مهازيل الغنم التي قتلها الجدب، وكان هو شبعان ريان، فما كذب أن حمل على الأسد ونطحه، فانهزم السبع مما أذهله من هذه المفاجأة وحسب جدنا سبعا قد زاده الله أسلحة من قرنيه، فاعتراه الخوف وأدبر لا يلوي. وطمع جدنا فيه فاتبعه، ومازال يطارده وينطحه، والأسد يفر من وجهه ويدور حول البركة، والقوم قد غلبهم الضحك، والأمير ما يملك نفسه إعجابا وفخرا بجدنا. فقال: هذا سبع لئيم، خذوه فأخرجوه، ثم اذبحوه، ثم اسلخوه. فأخذ الأسد وذبح، وأعتق جدنا من الذبح، وكان لنا في تاريخ الدنيا: إنسانها وحيوانها أثران عظيمان؛ فجدنا الأول كان فداء لابن نبي، وجدنا الثاني كان الأسد فداءه!

قال الصغير للكبش: قلتَ: الذبح، والفداء من الذبح؛ فما الذبح؟

قال الكبش: هذه السنة الجارية بعد جدنا الأعظم، وهي الباقية آخر الدهر؛ فينبغي لكل منا أن يكون فداء لابن آدم!

قال الصغير: ابن آدم هذا الذي يخدمنا ويحتز لنا الكلأ، ويقدم لنا العلف، ويمشي وراءنا فنسحبه إلى هنا وههنا ... ؟ تالله ما أظن الدنيا إلا قد انقلبت، أو لا، فأنت يا أخا جدي .. قد كبرت وخَرِفْت!

قال الكبش: ويحك يا أبله! متى تتحلل هذه العقدة التي في عقلك؟ إنك لو علمت ما أعلم لما اطمأنت بك الأرض، ولرجَعت من القلق والاضطراب كحبة القمح في غربال يهتز وينتفض!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير