تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[وصايا لقوة الحفظ وعلاج النسيان (لطلبة العلم)]

ـ[العوضي]ــــــــ[01 - 06 - 04, 03:30 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سألتني بارك الله فيكم عن وسائل تقوية الحفظ، وعلاج النسيان، فأقول:

لا شك أن قوة الحفظ وضعفه، وعارض النسيان، من الأوصاف البشرية التي جبل الله الخلق عليها، وكل يتفاوت بحسب ما قسم الله له من هبات، فهما ملكتان تتنامى في الإنسان، ومن الناس من تلين معه، ومنهم من تعصي عليه فلا ينال منها إلاّ القليل، ولذلك فإن من كبير عفو الله تعالى أن رفع عن عباده ما حصل منهم من ترك واجب أو فعل محذورٍ على وجه النسيان لأنه ليس تحت قدرة ابن آدم، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) الآية (البقرة:286)، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وقال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها أو استيقظ)، ومع هذا كله فبما أن قوة الحفظ والذاكرة من الملكات البشرية فإن بمقدور ابن آدم تنميتها بقدر ما يستطيع، وهكذا سائر عادات ابن آدم، فالحلم بالتحلم، والعلم بالتعلم، والأدب بالتأدب، وكذا الحفظ وقوة الذاكرة، وأذكر لك بعض وسائل علاج نسيان العلم بما يلي على إيجاز:

أولاً: مداومة ذكر الله تعالى وتكراره، والله تعالى يقول (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (الكهف: من الآية24)، ولعل كون ذكر الله تعالى من أعظم المسببات للحفظ من ثلاث جهات:

[الأولى] من حيث صلة بالله تعالى، ومن زاد وصله بالله نال العون من الله تعالى والقوة، وكان الشيطان عنه أبعد، وهو من أعظم من يشاغب على ابن آدم بالنسيان كما صنع مع صاحب موسى عليه السلام فأنساه الحوت قال تعالى: (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) (الكهف:63)، والشيطان هو الذي أنسى السجين ذكر يوسف عليه السلام لعزيز مصر، قال تعالى: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (يوسف:42)، وينسي أولياء الله ذكر الله الذي هو الصلة بينهم وبين ربهم قال تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة:19)، وبهذا فلا يطرد الشيطان شي أقوى من ذكر الله تعالى.

[الثانية] وكذلك ذكر الله سبب لقوة الحفظ وقلة النسيان من جهة كونه سبب رئيس لطمأنينة النفس، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)، والنفس المطمئنة متأهلة لرسوخ الحفظ، وثبات العلم، أما إذا كانت مشغولة الحال، مذبذبة الأحوال، فإن الحفظ عليها ثقيل، ولهذا فإن عادة الحذاق إذا أرادوا الحفظ يقتنصون أهدأ الأوقات وأبعدها عن الضجيج، وزحام الناس وأصواتهم، وأفضل ما يكون ذلك ساعات السحر، وبعد صلاة الفجر، وكل وقت أو مكان يسود فيه الهدوء.

تنبيه: جرت عادة بعض العامة إذا نسوا شيئاً أن يكرروا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم!، ويقولون (اللهم صلّ على النبي – اللهم صلى على النبي)، وهذا خلاف ما تقدم في قوله تعالى: (واذكر ربك إذا نسيت).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير