[((لوحات الآباء))]
ـ[محبة لطيبه]ــــــــ[15 - 01 - 08, 02:01 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تجولت بين أروقة الانترنت وأنتهى بي المطاف إلى لوحة اجبرتني على أن أريكم إياها:
.........................
[((لوحات الآباء))]
في عصر اليوم الثالث من تلقي هاني الصفعة من أبيه دخلت أمه غرفته؛ إذ وجدت الباب مفتوحا على غير العادة. كان هاني متمددا على سريره وموليا ظهره لباب الغرفة، فجلست الأم بجانبه على السرير لتكلمه وتنصحه لينهي حربه الصامتة التي يخوضها ضدهم.
قالت الأم: إلى متى ستبقى على هذه الحال يا هاني؟ لم لا تعتذر إلى أبيك وتطلب منه الصفح فتكسب رضى الله ورضى والديك؟
أجاب هاني دون أن ينظر إلى والدته: أنا لم أخطئ حتى أعتذر، أبي هو من أخطأ في حقي، لقد رأيتِهِ كيف صفعني على وجهي، ألم تعلماني أنه لا يجوز ضرب أحد ولا حتى الحيوان على وجهه، أنا في نظر أبي أدنى مرتبة من الحيوان لذلك صفعني.
قالت الأم: أنت مخطئ في حكمك على أبيك، هو يحبك كثيراً، وقد تألم أكثر منك بسبب الصفعة، ولكنك أنت من دفعه إلى ذلك بإهمالك لدروسك وعدم التزامك بتعليماته، وبقائك خارج المنزل إلى وقت متأخر.
قال هاني بحدّة: أنا حر، لا أريد الدراسة ولا أريد هذا العلم الذي يريد فرضه علي، سأسافر إلى أمريكا واجمع ثروة هناك تفوق رواتب كل المتعلمين هنا، لا يحق لأبي استعبادي وفرض إرادته علي لمجرّد أنه السبب في قدومي إلى هذه الدنيا.
قالت الأم: يا هاني، هذا ما كان يخشاه أبوك عليك من الرفاق الذين أحاطوا بك فقد ملؤا رأسك بأفكار خيالية بالله عليك، من أين لك ثمن تذكرة السفر إلى أمريكا، ثمّ لنفرض أنك وصلت إلى هناك كيف ستعيش؟ ومن أين ستجمع هذه الثروة المزعومة؟ ماذا تتقن من الأعمال التي قد تدر عليك الأموال؟ أم تعتقد أن الأموال مفروشة في الطرقات في أمريكا وتنتظر من يلتقطها؟
قال هاني وهو يشعر بإحراج:على الأقل لن أجد هناك من يصفعني على وجهي ويهدر كرامتي. تنهدت الأم بيأس قائلة: هداك الله يا هاني إلى الصواب قبل فوات الأوان ثمّ خرجت من الغرفة.
في اليوم التالي خرج هاني كعادته مبكراً جداً، وفي المدرسة قرأ إعلانا عن معرض صور للوحات عالمية تقيمه اللجنة الفنيّة في قاعة الأنشطة فقرر مشاهدة المعرض بعد الحصّة الثالثة ليتخلص من حضور بعض الحصص المدرسية.
مرت الحصص الثلاث دون أن يفقه منها هاني شيئا، فهو يفكر طوال الوقت في كيفيّة الهرب بعيداً والتخلص من سلطة والديه اللذين يريدان فرض إرادتهم عليه وتقييد حريته.
في المعرض عرّف مدرّس التربية الفنيّة الطلاب اللوحات الفنية الموجودة حاليا في المتاحف العالمية وعند بعض أثرياء العالم، وذكر المبالغ الخيالية التي دفعت أثمانا لتلك اللوحات.
سأل هاني المدرّس: هل يعني هذا أن جميع هؤلاء الرسامين قد كسبوا الكثير من الأموال ببيع لوحاتهم؟
تبسّم المدرّس وأجاب: قد تستغرب يا هاني حين تعرف أن معظم هؤلاء الفنانين ماتوا فقراء معدمين، وعانوا الجوع والمرض بسبب الفقر حتى إن بعضهم كان لا يجد المال الكافي لشراء ما يلزمه لرسم لوحاته، فيرسم اللوحة ثم يطمسها ليرسم غيرها على نفس الخامة، للأسف لم يلق هؤلاء الفنانون التقدير الذي يستحقون إلا بعد موتهم، في حين أصاب آخرون الثراء بسبب لوحاتهم.
سأل هاني المدرس بحيرة: إذا لماذا كانوا يتابعون الرسم مع أنه لم يحقق لهم أيّة مكاسب ماديّة.
أجاب المدرّس: الفنان يا هاني يرسم لأنه يحب الرّسم ويعبّر به عن ذاته ومشاعره. أنا أشبه هؤلاء الفنانين ببعض الآباء والأمّهات الذين يضحّون ويشقون في حياتهم في تربية أبنائهم ثمّ لا يجدون من الأبناء التقدير والعرفان إلا بعد موتهم ورحيلهم عن الدنيا.
عاد هاني إلى بيته وتوجّه كعادته إلى غرفته مغلقا على نفسه بابها، وطفق يبحث في كتبه عن سير المشاهير الذين أبدعوا وقدّموا للبشريّة أعمالا رائعة ولم يلقوا التقدير الذي يستحقون في حياتهم، فقد شغلته هذه الفكرة وأهمته كثيرا، فوجد في الكتب الكثير مما يستحق القراءة والبحث، وبدأ يقتنع بأن والده لم يكن مخطئا في كل ما يقوله عن العلم والتعلم، وأنه هو نفسه لم يكن محقا في كل ما اعتقده عن الحريّة والتحرّر.
¥