تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذهبنا إلى الكوخ الآخر خلف الكوخ الذي كنا فيه فوجدنا أن المرأة هناك وأهلها لم يأكلوا منذ ثمانية أيام! .. دمعة أعيننا .. وقارنّا بين وضعهم ووضعنا نحن لو غابت عنا وجبة واحدة لقلبنا الدنيا فوق تحت! ليس إذا غابت الوجبة بل إذا كان نوع الأكل الذي يقدّم قد لا يتناسب مع أذواقنا ما نكون سعيدين ونبدأ في عمل مشاكل كثيرة .. وهذا موقف مؤلم عندما نقارن بيننا وبينهم!.

أعود مرة ثانية إلى أثيوبيا إلى تلك القرية وأذكر عندما جئت كان يوم جمعة إلى مدينة دنن، تقع في منطقة الجفاف في جنوب أثيوبيا، وكان هناك طفل ميت اسمه (ميار) مسلم (ميار بن محمد) وهو ثالث طفل يموت في الصباح في صباح ذلك الجمعة وطبعاً المنطقة كلها متأثرة من ثلاث سنوات من الجفاف ما نزل مطر أو ينزل في غير وقته فلا تستفيد منه الأرض ولا ينمو العشب والحشيش وماتت الحيوانات ثم بدأ الناس يموتون وقضى على نسبة كبيرة من الماشية وهاجرت الأسر إلى القرى والمدن بحثاً عن الطعام ..

هاجرت والدة الطفل الذي قضى يوم الجمعة اسمها (صفية) إلى قرية أو بلدة دنان مع زوجها وخمسة من الأطفال قبل خمس أشهر من الجمعة التي رأيتهم فيها .. لم يكن عليها غير الملابس التي تلبسها هي وأطفالها، ما عندهم ملابس ما عندهم شيء يملكونه .. كانت هي أسرة متوسطة الدخل يملكون 40 بقرة و50 رأس من الغنم والماعز وتدريجياً بدأ القطيع في الاحتضار عندما بدأ الجفاف يضرب المنطقة وحاولوا يبحثون في كل مكان عن أي مكان يصلح للرعي حتى يحافظوا على ما تبقى من الحيوانات ولكنهم فشلوا في ذلك فآخر حيوان مات كان حمارهم وتركوا بدون أي مال أو وسيلة معقولة يعيشون منها .. ساروا أربع أيام على أقدامهم حتى وصلوا إلى دنن لم يأكلوا شيئا لأن أصلاً ما كان عندهم شيء والأعشاب الموجودة في الصحراء بسبب الجفاف كلها أعشاب إما سامّة لا يرضى لا الحيوان ولا الإنسان أن يأكلها .. وتقول صفية إنهم كانوا جوعى وعندما نفقت كل الحيوانات اضطروا أن يأتون إلى دنن وكانت فاطمة عمرها 12 سنة أكبر بنات صفية أول من مات قبل شهرين وتبعها محمد الذي عمره سنة واحدة منذ أسبوعين فقط وأصبح الأب مريض وعاش ميار محمد معظم الأسبوعين الأخرين فاقد الوعي مع ... وحمّى والأيام الأخيرة لم يعد قادراً على تناول حتى محلول الماء والسكر وكانت أمه تغذيه .. وعندما وصلنا توفي .. تقول صفية أنها ذهبت إلى العيادة وأخبروها بالعيادة أن ما عندهم أي أدوية والأدوية الموجودة قليلة هي للبيع وهي لا تملك حتى فلس أحمر .. الزوج حمل طفله (عمران) 6 سنوات ووراهم لي وللآخرين الذين كانوا جايين من جمعيات خيرية حتى يشوفون بعيونهم كيف أنه هذا الطفل سيموت بعد مدة بسيطة جداً وأصبح الجانب الأيسر مشلول وقعد يصرخ من الألم بينما والدها وهو يحملها قعد يتكلم لنا ويشرح لنا كيف وضعه .. فقدت أولادها كلهم ما بقى إلا الطفل (نور) وهي بنت عمرها 9 سنوات لا تزال معافية وطبعاً معافاة ليست بالمفاهيم تبعنا بل إنما معافاة بالنسبة لمفاهيمهم هم كانت هي عبارة عن هيكل عظمي لصق عليه جلد وتتحرك بصعوبة .. !

أمثال هذه العائلة رأينا آلاف مؤلفة من العائلات التي سارت على أقدامها أيام وليالي تبحث عن لقمة العيش

من السهل جداً أن تتكلم عن موت الأطفال ولكن والله أيها الأخوة لم تعرف ألم الموت إلاّ عندما تحمل الطفل بين يديك ويموت وأنت تحمله عند ذاك لن تنس أبداً لحظات النزعة الأخيرة

لا زلت أذكر اليوم الذي رحنا فيه إلى ( .... ) وشفنا طفل فاقد وعيه وحملته إحدى بناتي وأحضرته لي وقالت: بابا ايش فيه؟ فوجدنا فيه حرارة إذاً على الأغلب 99% يكون بسبب الملاريا، علاج الملاريا هو دواء اسمه " كلوركوين" سعر 10 حبات بعشر فلوس كويتية أو 11 - 12هللة سعودية لكن لأن العائلة ما عندها العشر فلوس أو الأحد عشر هللة ما استطاعت تعالجه! .. حاولنا أن ننقله إلى المستشفى ولكن بالطريق لفظ أنفاسه وتوفي .. الحالات مثل هذه بالمئات وبالآلاف نتيجة معايشتنا لما يحدث هناك .. عندما كنت أقضي أشهر في مخيمات اللاجئين والنازحين في السودان وفي أثيوبيا وفي كينيا وفي غيرهم من الدول كنت كل يوم أرى هذه الحالات حتى بدون أن أروح إلى بيوتهم هم يجبونهم لنا ولكن يكون متأخر جداً تدخلنا لعلاجهم مع الأسف الشديد، وأثناء محاولتنا نقدم لهم شيء من العلاج يموتون خاصة بعد أن تصل الملاريا إلى المخ وسنوياً حتى بدون المجاعة يموت في أفريقيا مليون طفل أغلبهم من المسلمين على الأقل 60 إلى 70% منهم مسلمين!

المنطقة التي أصابتها المجاعة الآن في أثيوبيا وهي أصابت مناطق كثيرة أكثر من 60% منهم من المسلمين ولا يجدون شيء يسدون فيه رمقهم، لو أكلوا وجبة واحدة قيمة هذه الوجبة 15 فلس كويتي أو 17 هللة سعودية لأغنتهم واستطاعوا أن يعيشوا من هذه الوجبة!

الوجبة هي عبارة عن خليط من الدقيق وطحين نخلطه مع سكر وزيت وأحياناً مع حليب بودرة إذا توفر أو فول صويا نطحنه ونخلطه معاهم، نعمل مثل الشوربة نضعها في براميل مثل براميل البناء ونضع معها ماء ونضعها على النار وبعد مدة نعطي كل واحد كوب من هذا الشوربة أوالعصيدة ويسمونها هناك (مديدة) ويشربونها وتكفيهم هذه الوجبة أن يعيشوا وأن يستردوا صحتهم لو توفرت لهم ولكن أغلبهم لا يملكون الخمسة عشر فلس أو 17 هللة ..

وأذكر أمرأة رأيتها في كينيا .... الخ "

تذكر أخي 17 هللة يوميا تنقذ مسلما من الموت بإذن الله

كم من أموال صرفناها على كماليات لا قيمة لها والله المستعان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير