فيوم كان المسلمون مستجيبين لله وللرسول؛ كان مفهوم الأمة الواحدة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (الأنبياء: من الآية92) والرابطة الإيمانية [مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى] رواه البخاري (رقم6011) ومسلم (رقم 2586).
كان هذا المفهوم حاضرًا في قلوبهم وواقعهم، فكانت لهم السيادة والريادة، فلا يعتدى على مقدساتهم، ولاتنتهك حرماتهم، بلادهم محفوظة فلا أمة تستطيع عليها اعتداء، ولا أحد يستطيع عليها جورًا. وإن حدّثت أمة نفسها بغزو المسلمين وهمّت؛ فالرد معروف:"الجواب ما ترى دون ما تسمع" أو كما قال سيف الله خالد:"لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا". وهزيمة الأعداء واقعة لا محالة، ويجري عليهم ما سطرته كتب التاريخ من أمجاد ونخوة وشهامة، وما تلبية المعتصم لنداء امرأة يوم قالت:" وا معتصماه" عنا ببعيد ... كان ذلك يوم كان الإيمان حيًا في القلوب، يوم كنا خير أمة أخرجت للناس، فلمّا فتر الإيمان وخبت جذوته من القلوب، وانشغل الناس بالدرهم والدينار وتركوا نصرة المستضعفين والمظلومين؛ حق علينا قول نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] (رواه أبوداود وأحمد-صحيح الجامع 423). وما دام الذل موجودًا، فإننا مازلنا بعيدًا عن ديننا وعقيدتنا ومفاهيمنا الأصيلة، والنتيجة: تكالبت علينا الأمم، وحاصرت الشعوب المسلمة، وانتهكت الأعراض، وقتلت مئات الألوف من المسلمين، فما وجدوا منا غير الشكوى والأنين ..
وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمونا؟!
أجل .. أين المسلمونا؟ أين هم من أنين المستضعفين، وآهات الثكالى والمحرومين؟!
أو ليس مخزياً أن نرى مشركي العرب - في مكة - يتحالفون على العدلِ, ونصر المظلوم، كما في حلف المطيبين، ثم نرى عرب اليوم ومسلمة هذا العصر في صمتٍ مطبق، وسكون مريب، تجاه إخوانهم المظلومين في غزة وغيرها من بلاد المسلمين المستضعفة؟!
إن محبة المؤمنين ونصرتهم من الإيمان، والحب في الله أوثق عرى الإيمان، وهذه المحبةُ الإيمانية لإخواننا في غزة، لا بد أن يظهر موجبها على الجوارح، أوَليسوا لنا إخوة؟ بلى .. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: من الآية10).
فأين نحن من قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ] (رواه أحمد- صحيح الجامع رقم 6659).
وأين نحن من قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ] رواه مسلم (رقم 2586).
وأين نحن من قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا] رواه البخاري (رقم 2443).
وأين نحن من قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ ... أَغِيثُوا الْمَظْلُومَ] رواه أحمد (رقم 18097) -صحيح الجامع 1407.
أليس نداء واحدا من هذه النداءات-لو كانت القلوب حية- كفيل بالاستجابة وتلبية نداءات الإغاثة، وآهات المقهورين من إخواننا وأخواتنا، الذين تجمعنا بهم أوثق رابطة وأشرفها على الإطلاق: رابطة لا إله إلا الله.
¥