تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيقول أحدهم لك: لا آكل إلا هذا لأن هذا يأتيني بالسكر وهذا بأنواع الآفات التي تصيبه، وهذا ممنوع منه، وهذا محروم منه، وهكذا، فالإنسان أحياناً من ضيق العيش وقلة المال يحزن ويسخط، لكن لو فكر كما قال أبو الدرداء: [الصحة الملك]. فتأمل الناس بالمستشفيات وغيرهم من أصحاب البلاء وأنواع الأمراض -ونحن في عافية- فترى أن نعمة الله عظيمة، فلذلك ينبغي دائماً حمد الله وأن يجعل الحمد كله لله. قال جعفر بن محمد: فقد أبي بغلة له، فقال: "إن ردها الله عليَّ لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبث أن أوتي بسرجها ولجامها، فركبها، فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء، فقال: الحمد لله، ولم يزد على ذلك، فقيل له: أنت قلت كذا وكذا، قال: هل تركتُ وأبقيتُ شيئاً، جعلت الحمد كله لله: الحمد لله".

نسبة النعمة إلى المنعم

ومن الأشياء التي توصل العبد إلى أن يكون عبداً شكوراً: نسبة النعمة إلى المنعم، لأن كثيراً من الناس إذا سئل عن هذا، قال: هذا باجتهادي، فإذا سئل عن ماله؟ قال: هذا بذكائي، وإذا سئل عن براعته؟ قال: هذا بحذقي، هذا بتجربتي، هذا بخبرتي، ولا ينسب النعمة إلى الله، فإذا أردنا أن نكون من عباده الشاكرين يجب أن ننسب النعمة إلى الله، ونرد الأمر كله إليه. قال محمد بن المنكدر لأبي حازم: يا أبا حازم! ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بالخير، ما أعرفهم، وما صنعت إليهم خيراً قط، قال أبو حازم: لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذي من قبله جاءت النعمة هذه -أن وضع لك المحبة في قلوب الناس- فاشكره، ثم قرأ عليه قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96]. ومن هذا القبيل ما يقع إذا نزل المطر، قالوا: هذا بسبب النوء الفلاني، هذا بسبب النجم الفلاني، هذا بسبب الفصل الفلاني، فلم يذكروا الله، ولم ينسبوها إلى الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (ألم تروا ما قال ربكم؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمةٍ إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكواكب وبالكواكب). رواه أحمد و مسلم وغيرهما. فإذاً من الأشياء التي توصلنا لأن نكون عباداً شاكرين أن ننسب النعمة إلى المنعم، فإذا جاء ذكرها قلنا: هذه من الله، قال الله عز وجل: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53]. وحمد الله على النعم له فضلٌ عظيم، وتأمل معي هذه الأحاديث: (ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة) .. (ما أنعم الله على عبد من نعمة -زوجة، ولد، مال- فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من النعمة) حديث حسن. وفي لفظ آخر: (ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة فقال: الحمد لله إلا كان الذي أعطي أفضل مما أخذ). ونعمة الله من الأموال والجاه الولد والزوجة والمناصب ونحو ذلك كلها نعم تستوجب الشكر والحمد. وبعض الناس يقولون: نحن محرومون من النعم، مثلاً: شخص ليس عنده وظيفة جيدة، ليس عنده دخل جيد، محروم من أشياء من الدنيا، هل يحمد الله على هذا؟ الجواب: نعم. يحمد الله على هذا. قال بعض السلف: لنعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها. أي: كوننا حرمنا من النعم؛ من التوسعات الدنيوية، هذه بحد ذاتها نعمة، وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا، كان يتكئ على رمل، سريره من الرمل، ما رضي من عمر لما ذكر له كسرى وقيصر وما هم فيه من النعيم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الرمل وقد تأثر جنبه، قال: (ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟!). فقال هذا الرجل من السلف: الأشياء التي حرمنا منها من الدنيا هذه نعمة لأن الله لم يرض لنبيه الدنيا، فأن أكون فيما رضي الله لنبيه- من قلة ذات اليد، وضيق العيش، وقلة المال- أحب إلي من أن أكون فيما كره له. وقال ابن أبي الدنيا: بلغني عن بعض العلماء أنه قال: ينبغي للعالم أن يحمد الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا، كما يحمده على ما أعطاه، وأين يقع ما أعطاه الله والحساب يأتي عليه إلى ما عافاه الله ولم يبتله، يعني: لو أن الله عز وجل أعطانا أموالاً كثيرة فإنه سيحاسبنا عليها، ويصبح حسابنا عسيراً، لأن الأموال كثيرة فننشغل بها عن طلب العلم وعن العبادة، نجمع الأموال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير