تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونحزن إذا نقصت، هذا الحرمان لبعض الأشياء من الدنيا هو بحد ذاته نعمة؛ لأنه ربما لو أعطانا إياها لانشغلنا عن عبادته وذكره، وانشغلنا عن طلب العلم، والدعوة إلى سبيله سبحانه وتعالى. وجلس ابن عيينة مرة مع سفيان يتذاكران نعم الله عليهما من الليل إلى الصباح، كل واحد يقول: أنعم الله علينا بكذا، وأنعم الله علينا بكذا، وأنعم الله علينا بكذا، وهكذا. ولذلك فنحن دائماً ينبغي أن نتحدث بالنعم ونكرر ذكرها، ونشكر الله عليها، والأشياء التي حرمنا منها نشكر الله أن كان هذا قدرنا، ونسأل الله المزيد من فضله، ونسأل الله العفو والعافية الدائمة، ونحذر أشد الحذر من أن نكون من الذين استدرجهم الله، فإن الله عز وجل قال: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:182] ومعناها: أنه كلما أحدثوا ذنباً أحدث لهم نعمة، وهذا هو الاستدراج، فيستدرجهم من حيث لا يعلمون، فيظنون أنهم على خير وعلى طريق سوي وهكذا.

شكر الله على النعم بالنعم نفسها

وكذلك من الأسباب التي توصل العبد إلى مرتبة العبد الشكور: أن يشكر الله بالنعم التي أعطاه الله إياها، أعطاك مالاً فاشكره بالمال، وتصدق منه، أعطاك جوارح فاشكره بالجوارح، قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ قال: "إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته، قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً دفعته، قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاً لله هو فيهما، قال: فما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله طعاماً وأعلاه علماً، قال: فما شكر الفرج؟ قال: قال الله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5 - 7] ". فبعض الناس يتصور أن الشكر فقط في اللسان، أن يقول: الحمد لله .. الحمد لله .. وينسى أن الأعضاء عليها واجبات من الشكر؛ لأننا ذكرنا في أول الحديث أن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، فبعض الناس يتصور أن الشكر فقط أن يقول: الحمد لله بلسانه، ثم لا يشكر الله بيديه، ولا بعينيه، ولا بأذنيه، ولا برجليه، فيمشي إلى الطاعات، إلى حلق العلم، يغيث ذا الحاجة الملهوف.

سجود العبد لله شكراً عند تجدد النعمة

ومن الأسباب التي توصل العبد إلى منزلة العبد الشكور: أن يسجد العبد لله شكراً عند تجدد النعم، فقد جاء في الحديث الصحيح: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر لله ساجداً شكراً له عز وجل). إذاً هناك شيء مهم جداً في الموضوع ألا وهو سجود الشكر، فهو عبادة عظيمة تشترك فيها الأعضاء السبعة، ولما جاء إلى أبي بكر خبر قتل مسيلمة سجد لله شكراً، ولما عرف علي رضي الله عنه أن ذا الثدية في جيش الخوارج قد وُجد مقتولاً دلالة على أن هؤلاء هم فعلاً الخوارج الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم سجد لله شكراً. وكذلك فإن سجود الشكر فيه تعبير عن حمد العبد لربه، فلو قال واحد: نحن دائماً نعيش في نعم؛ نحن لنا أعين وأبصار وآذان وأيدٍ وأرجل، نحن نتنفس، نحن لنا أصوات، وهناك من عنده سرطان في الحنجرة، هذا حباله الصوتية مشلولة، ونحن نتكلم، وهناك أناس لا يتكلمون، نحن نرفع أيدينا وهناك أناس لا يرفعون أيديهم، نحن نحرك الأصابع وهناك أناس أصابهم حادث فصاروا غير قادرين على تحريك بعض الأصابع؛ هذه كلها نعم، فهل يشرع أن نسجد دائماً؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأننا نتبع السنة؛ فالسنة السجود عند حدوث النعمة، تَجدد نِعمةٍ هذه التي نسجد لها لله، هذه هي السنة، فإن قال قائل: لماذا يشرع السجود عند النعمة المتجددة ولا يشرع السجود عند النعمة المستدامة؟ الجواب: لأن النعمة المتجددة تذكر بالنعمة المستدامة. ثانياً: أن النعمة المتجددة تستدعي عبادة متجددة فلذلك كان سجود الشكر. ثالثاً: إن وقوع النعمة وحدوثها يسبب للشخص نوعاً من فرح النفس وانبساطها فيجر إلى الأشرَ والبطر، افرض أن إنساناً جاءك، قال: لقد ربحتَ مائة ألف، ماذا يحصل في النفس؟ يحصل الفرح والانبساط، وهو ربما يجر إلى الأشر والبطر، فيأتي سجود الشكر لكي يطامن هذه النفس، ويظهر الذل والخضوع لرب العالمين، لأن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير