قناعة بالنصر الهزيل الذي حازه ووقع له.
فإذاً إذا لم تنل الهزيمة من الإيمان ومن النفوس والعزائم , فإن الجولة القادمة وشيكة الوقوع بإذنه سبحانه وتعالى، ولذلك فطن أعداء الأمة فلم يكن اعتناءهم - بعد دراسة طويلة بعد الحروب الصليبية - بكسر المسلمين عسكرياً وحربياً فحسب، بل كانوا يريدون أن يطيلوا أمد الهزيمة دهراً طويلاً، وأن يعمِّقوا تأثيرها في النفوس وفي القلوب والعقول والسلوكيات والأحوال الاجتماعية والاقتصادية حتى ينخروا في بنيان الأمة، فلا تقوم لها قائمة في تصورهم , ويمكرون ويمكر الله , والله خير الماكرين.
الوقفة الثالثة: مفاصل في تاريخ الأمة المسلمة:
وهي لبّ موضوعنا , نريد أن نقف في بعض المفاصل التاريخية لنقرأ بين السطور - كما ذكرت - ماذا وقع في الهزائم؟ وكيف وقعت الانتصارات في تاريخ الأمة المسلمة؟ هذه المفاصل كثيرة سأذكر منها اثنين بالتفصيل , وإن سنح الوقت ذكرناً ثالثاً.
1 ـ ما يتعلق بسقوط بيت المقدس.
2 ـ سقوط بغداد.
3 ـ موقعة شقحب.
لأن في هذه الوقائع دروساً عظيمة جداً
سقوط بيت المقدس:
لمحات من واقع المسيحيين قبل السقوط:
في بيت المقدس لننظر كيف كان توجُّه المسيحيين في ذلك الوقت؟ وكيف توجهوا لقتال المسلمين؟ وبأي منطق وتحت أي مبدأ تجمعوا؟ نقرأ في سطور التاريخ , وفي وقائعه، ما ينبئنا عن أن في كل جولة لا بد من تحقق الأسباب، ومن رؤية معالم هي التي تكون بها الهزيمة، أو يقع بها بعد إذن الله - عز وجل – النصر ..
تجمع المسيحيون تحت راية المسيحية وتنادوا باسمها، وهذا المكمن الذي ينبغي أن يعلم المسلمون أنه لا نصر لهم إلا تحت راية الإسلام، وإلا أن يتنادوا باسم نصر العقيدة والإيمان، أما غير ذلك فقد رأت الأمة هذه الصورة، وتجرعت مرارتها حينما تجمعت مرة باسم القومية، وثانية باسم البعثية، وثالثة باسم الاشتراكية، فهوت كل واحدة بها إلى هاوية , وبُعدٍ سحيق، هنا في ذلك الوقت ماذا كان من المسيحيين؟ نجد أن إمبراطور القسطنطينية يبعث إلى ملك آخر من ملوك المسيحية في ذلك الوقت، ويناديه بنداء , يستصرخ فيه الهمة بقتال المسلمين، فماذا يقول إلى رجال الدين والدنيا:
" تحية وسلاماً أيها السيد العظيم حامي حمى العقيدة المسيحية , أود أن أحيطك علماً بما وصل إليه تهديد الأتراك - يعني السلاجقة المسلمون - للإمبراطورية المسيحية المقدسة، فهم يعملون فيها السلب والتخريب كل يوم، ويتوغلون في أراضيها دون انقطاع , وكم من مذابح وتقتيل وجرائم تفوق حد الوصف يقترفونها، ضد المسيحيين الإغريق".
وهذا أكثره كذبا، فضلاً عن السخرية والتحقير؛ فإنهم يذبحون الأطفال والشباب داخل أماكن التعميد، حيث يريقون دماء القتلى محتقرين بذلك المسيح، ثم يقول:
"لذا أستحلفك بمحبة الله، وباسم جميع المسيحيين الإغريق أن تمد لنا وللمسيحيين الإغريق العون والمساعدة، وذلك بتقديم جميع جنود المسيحيين من كبير وصغير، فضلاً عن العامة ممن يتسنَّى جمعهم من بلادك".
فهذا تنادٍ باسم الإيمان والعقيدة الباطلة، وتنادٍ بالنصرة بالقوة الفعلية المؤثرة، وليس بمجرد القول أو الشجب أو الاستنكار أو البيانات، وليس تحت راية علمانية أو اشتراكية أو غيرها، فهكذا كان تجمُّعُهم في ذلك الوقت، وكانت نظرة حديثهم بل إن الذين كانوا يقودون تلك الحروب ويؤججونها ضد المسلمين هم زعماء الدين، فهذا البابا أوربان الثاني أيضاً يوجِّه في مؤتمر كلير مونت، في ذلك الوقت نداءه إلى أبناء الملة المسيحية كلها:
"يا شعب الفرنجة .. شعب الله المحبوب المختار، لقد جاءت من تخوم الصين ومن مدينة القسطنطينية أنباء محزنة تعلن أن جنساً لعيناً ـ يقصد به المسلمين - أبعد ما يكون عن الله , قد طغى وبغى في تلك البلاد - أي بلاد المسيحيين - وخرّبها بما نشره فيها من أعمال السلب والحرائق، ولقد ساقوا بعض الأسرى إلى بلادهم، وقتلوا بعضهم الآخر بعد أن عذبوهم اشنع تعذيب، وهم يهدمون المذابح والكنائس بعد أن يدنسوها برجسهم".
إذاً مرة أخرى نداء العاطفة العقدية الإيمانية، ثم يقول:
¥