"ألا فليكن لكم من أعمال أسلافكم ما يقوِّي قلوبكم، أمجاد شارلمان وعظمته , وأمجاد غيره من ملوككم وعظمتهم , فليثر همتكم ضريح المسيح المقدس ربنا ومنقذنا " تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
هنا مبدأ مهم، وهو القدوات التاريخية التي ترتبط بها الأمة؛ فتثير بذلك في النفوس الهمة والعزيمة. واليوم يغيَّر التاريخ , ويدلَّس لتغيَّب القدوات الصالحة، ويغيَّب الأئمة من العلماء، ويغيَّب القوَّاد من المجاهدين، وتظهر القدوات الفاسدة، التي لا تقدِّم ولا تؤخِّر، بل حقيقة دورها أنها تشوه وتمسخ، وأنها تغتال وتقتل كل قيمة إيمانية، وكل همة وعزيمة وقوة في صفوف الأمة ... ولو قلنا هذا الكلام للمسلمين لكانوا أولى به وأحرى.
ثم يقول بعد ذلك: "طهروا قلوبكم إذاًَ من أدران الحقد، واقضوا على ما بينكم من نزاع، واتخذوا طريقكم إلى الضريح المقدس، وانتزعوا هذه الأرض من ذلك الجنس الخبيث ".
إذاً طالبهم بأن يزيلوا الأحقاد، وأن يمنعوا الخلاف, والنزاع لتتوحد الصفوف , ونصب لهم هدفاً يهمُّهم ويُشغل بالهم، حتى تتلاشى الأسباب الثانوية العارضة للاختلافات التي يثيرها الأعداء ليفرقوا صفوف الأمة، هذه صورة موجزة لما كانوا يتنادون به.
لمحات من واقع المسلين بعد السقوط:
ـ أمة قتلت عميدها:
هذه صورتهم فماذا كانت صورة الأمة المسلمة؟؟؟ في ومضات أيضاً، كان الملك (أحد ملوك المسلمين) حاكماً للموصل في ذلك الوقت، وأراد بعد سقوط بيت المقدس , أراد أن يجمع الجيوش لمحاربة النصارى، لكن الأسباب كانت كثيرة , غير مهيأة ولا مواتية، فماذا حصل؟ قُتل هذا الملك المسلم في يوم العيد بعد الصلاة في وسط المسجد غيلة، فماذا وقع؟ كتب ملك الفرنجة إلى من جاء بعده طغطكين (ملك مسلم جاء بعده) كتاباً فيه كلمات موجزة، لكنها تُنْبؤ عن أن القوم كانوا ينظرون إلى أسباب الهزيمة لائحة أمام أعينهم، فقال كلاماً جميلاً ذكره ابن كثير رحمة الله عليه يقول:
"إن أمة قتلت عميدها في يوم عيدها , في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها".
كيف تنتصر وبينها هذه الخلافات؟!! كيف تنتصر والأحقاد تتسلط عليها؟!! كيف تنتصر وهي ليست موجهة نحو إعلاء كلمة الله، ورعاية مصلحة الأمة المسلمة؟!! وفي نفس الوقت أيضاً انظر إلى الصورة المقابلة عندما هيأ الله - عز وجل - بعض أسباب النصر.
صور قبل معركة حطين:
أ - خلاص قبل الاستخلاص:
ننتقل إلى الوقت الذي جاء فيه نصر الله عز وجل، وكلنا نعلم أن النصر وتخليص بيت المقدس جاء بقدر الله على يد صلاح الدين، والناس كلهم يقولون: جاء صلاح الدين , وانتصر في يوم حطين , وخلص القدس من الصليبيين، وكأن المسألة انحصرت في تلك المسألة التي خاضها صلاح الدين - رحمة الله عليه - والأمر ليس كذلك، إن صلاح الدين خاض قبل هذه المعركة أربع معارك هي أشد وأشرس وأقوى، وهي من أعظم ما هيأ النصر لذلك اليوم العظيم في يوم حطين، لم يأت صلاح الدين هكذا ليجمع الجيوش بالقوة ثم ينتصر بعد ذلك، بل حارب في مواقع أربعة قبل أن يلاقي النصارى في حطين .. حارب الكيانات الفاسدة، وحارب الجهالات الخاطئة، وحارب الانحرافات المفسدة، وحارب كذلك الفِرْقة القاتلة والناخرة في الصف.
وسأذكر ذلك بشيء من الإيجاز .. حارب الكيانات الفاسدة، التي كانت تعمل في الأمة من الفساد والتدمير أكثر مما يعمله أعداءها؛ لأن في حقيقة الأمر كان مما هيأ الله - عز وجل - لصلاح الدين وأجرى على يديه أن قوَّض الدولة الفاطمية العبيدية الرافضية، التي أضاف إليها الذهبي في سير أعلام النبلاء لفظ " اليهودية "، قبل أن يتوجه إلى بيت المقدس أزال هذا الورم السرطاني الذي ظل يرزح على الأمة المسلمة وفي بلادها دهراً طويلاً، وعاث فيها فساداً في الاعتقاد، وتخريباً لمقدرات الأمة، وممالئة لأعدائها، فتوجه صلاح الدين - رحمة الله عليه - ومهد له من قبل نور الدين زنكي، توجه أولاً ليستأصل هذه الدولة الرافضية، وبالفعل قوَّض مُلكها، ودخل مصر فاتحاً، وألغى وجودها من التاريخ، وجعلها صفحات مذكورة في طيَّات التاريخ، ولم تقم لهم - بحمد الله -قائمة في عهده وإلى سنوات طويلة بعده ـ رحمة الله عليه ـ فقد وجه هذا.
ب - إراقة الخمور
¥