تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عندما يكون الذي يُنْتَظَر منه الجد، والتحفّظ، والتيّقظ، والأخذ بأسباب مصالح المسلمين، ورفع رايتهم، وتحقيق أسباب عزتهم، لاهياً ساهياً غافلاً نائماً لا يدري عن أمره شيئاً، فهذه لا شك أنها صورة مفزعة، بمجرد أن ينظر إليها الإنسان ويتأمل يحكم بالهزيمة وهو مغمض العينين من غير تفكير، ثم نتابع مع ابن كثير - رحمة الله عليه - في وصفه لخليفة الوقت في ترجمته:

"ولكن كان فيه لين، وعدم يقظة، ومحبة للمال وجمعه، ومن جملة ذلك أنه استحل الوديعة التي استودعها الناصر داود بن المعظم، استودعه وديعة - وهو الخليفة - فأخذ هذه الوديعة واستولى عليها، وكان قيمتها نحواً من مئة ألف دينار فاستُقْبِح هذا من الخليفة، وهو مستقبَح ممن هو دونه بكثير ".

السبب الثالث: ضعف الاستعداد وخلوّ الإمداد:

ثم مضى ابن كثير يصوِّر لنا السبب الثالث الخطير من أسباب الهزيمة، ولعل السائل أن يسأل: أين الجيوش؟ كيف دخل التتار ووصلوا إلى دار الخلافة؟ فهذا جواب ابن كثير - رحمة الله عليه – يقول:

" وجيوش بغداد في غاية القلة، ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وبقية الجيش قد صرفوا عن إقطاعاتهم، والرواتب لا توجد، حتى استعطى كثير منهم في الأسواق، وأبواب المساجد، وأنشد الشعراء القصائد يرثون لحالهم ويحزنون على الإسلام وأهله ".

هذا حال الجيش الذي كان في ذلك الوقت لماذا؟ لأن الخليفة لم يكن متفرغاً لتقوية الأمة ولا لإعداد الجيش، ولا لتحقيق قول الله جل وعلا: "وأعِدُّوا لهم ما استطعتم من قوة ".

ولتحقيق قول النبي صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ".

فكانت هذه جيوش بغداد , الجنود يستعطون ويطلبون العطايا من الناس في الأسواق وأبواب المساجد، هؤلاء العشرة الآلاف البقية الباقية. فإذاً ضاعت الأمة عندما ضاعت قوتها وهيبتها وشوكتها.

السبب الرابع: الطابور الخامس:

كما يسميه الناس اليوم الطابور الخامس، الذي يعمل في الأمة أكثر مما يحتاج الأعداء ومما يأملون ومما يتوقعون، قال ابن كثير: " وكل ذلك عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي " كان رافضياً شيعياً خبيثاً متمالِئاً مع الأعداء، فهو الذي فعل هذه الأفاعيل "

يقول ابن كثير: " حصل هناك نزاع بين أهل السنة وبين الشيعة، وانتهبت بعض دورهم، فكان هذا مما أهاجه على أن دبَّر للإٍسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أفظع منه منذ أن بنيت بغداد، وإلى هذه الأوقات , ولهذا كان أول من برز للتتار كان هذا الرجل، وماذا كان قد صنع من قبل .. كان قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش، وإسقاط أسماءهم من الديوان، فكانت العساكر في عهد المستنصر قريبة من مائة ألف، وجاء التتار وهم عشرة آلاف من المتسولين، كانوا مائة ألف عِدة هذا جيش وعساكر وجنود، وبقوا عشرة آلاف من المتسولين، وهذا من فعل هذا الخبيث، فلم يزل يجتهد في تقليلهم حتى لم يبق إلا عشرة آلاف، ثم كاتب التتار , وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم الأمر , وحكى لهم حقيقة الحال , وكشف لهم ضعف الرجال ".

وهذا هو الداء الدوي، الذي ينخر في جسم الأمة اليوم، عندما يكون في صفوفها أصحاب العقائد المنحرفة التي تسعى جاهدة، إلى أن تدمر الأمة , وفي قلوبها من الحقد والضغينة أعظم مما في قلوب الأعداء، وهم أكثر عوناً للأعداء وإخلاصاً من بني جلدة الأعداء أنفسهم.

السبب الخامس: ممالأة الأعداء:

قال: " ثم عاد إلى بغداد لما ذهب الخليفة ليقابل هولاكو، .. ومعه نصير الدين الطوسي، وكان نصير الدين هذا عند هولاكو , وقد استصحبه عندما فتح بعض قلاع المسلمين "، وكان (أي نصير الدين) مما ينسبون إلى المستنصر العبيدي ـ يريد أن يعيد قيام الدولة العبيدية التي أزالها صلاح الدين بجهاده الذي أشرنا إليه –.

قال ابن كثير: وكانوا يريدون إبطال السنة , وإقامة الرفض , وإقامة خليفة من العبيديين، ولكن الله - سبحانه وتعالى - ما أمهله حتى مات هذا الوزير الرافضي في العام نفسه، ثم لحقه ابنه بعد ستة أشهر ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير