تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا مجال للقول بأنها من قبيل حرية الرأي، والدخول في فلسفات جدلية فاقدة المصداقية, هي أهون من بيت العنكبوت خاصة إذا ما وضعت مقارنة بتجريم نقد الهولوكست، وتفنيد ما لحق به من مزاعم وخرافات، وبالتالي فإن أهدافاً أخرى تتحكم في تلك الدمى الغربية، وتجعلها تسبح في مستنقع ووحل الإساءة للنبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

2 - الغرب قد اجتمعت كلمته على تلك الإساءة, فليست هي من قبيل الحادثة الشخصية أو المنحى الذي تنتهجه دولة ما, ولكن المتتبع سيجد أن أكثر من دولة غربية تولت كبر هذا الإفك، وتنفث فيه سمها بين الحين والآخر, وهو ما يعنى أن الصراع ليس مجرد وجه نظر شخصية, أو حتى توجهات من دولة واحدة متطرفة, فهي موجة غربية تتصاعد على فترات متقاربة بصورة نلحظ فيها منهجية ثابتة، وتحرك متناغم بين الدول الغربية.

3 - هذه الإساءة برأينا تأتي في إطار الصراع الحضاري والأيديولوجي بين الغرب والعالم الإسلامي, حيث لم يبق ما يهدد الغرب بعد ذوبان المعسكر الشيوعي إلا الإسلام, ومن ثم لا نجد أن تلك الإساءات توجه لأية معتقد أو ديانة أخرى إلا الإسلام ومقدساته.

فالغرب يرى أن التاريخ وصل نهايته حيث يجب أن تسود القيم الغربية الحضارية، وتتوارى تلك الحضارات الأخرى أو تختفي, وما عادت حضارة متماسكة وقوية تنافس الغرب وتزاحمه على مستقبل البشرية وحاضرها غير الإسلام.

ولعل قراءة سريعة لكتاب "نهاية التاريخ" للمفكر الأمريكي فرنسيس فوكاياما, و"صدام الحضارات" للأمريكي صموئيل هينجتون؛ ستضع تصوراً واضحاً عن رؤية الغرب للإسلام، وتفسيراً لدوافع هذه الإساءة، ومرادها والهدف منها.

4 - تكرار تلك الإساءات يأتي بدافع قتل همة المسلمين، وغرس المهانة في نفوسهم، وتوهين شأن مقدساتهم التي تنبثق منها الهمة العالية، والروح الوثابة التي تناطح الغرب، ومن ثم يضمن الغرب البقاء منفرداً دون أي نزاع حضاري آخر بعد خروج المسلمين من سياق التنافس كما خرجت من قبل شعوب وحضارات أخرى.

فتكرار الإساءة لا يأتي خبط عشواء، أو بصورة عفوية عشوائية, ولكن يأتي بصورة منهجية لها دوافعها وغاياتها.

هل يجدي القتل بالصمت؟!

يهمنا من العرض السابق الخلوص إلى أن الإساءة ليست من ورائها رغبة بعض الأفراد في الشهرة، وأن كان ذلك حادث من بعض الشخصيات؛ فإنه لا يقدح في الأصل العام، وكون هذه الإساءة وتكرارها منهجية غربية تهدف إلى إخراج المسلمين من سياق المنافسة الحضارية، وتوهين قوى الممانعة بالتعرض الدائم لمقدساتهم.

وهذه النتيجة تقودنا إلى القول بأن الأجدى هو مواجهة هذه الإساءات باستراتيجية واضحة مستمرة, وهو ما يتلاقى برأينا مع الأصل العام الذي يستمد من قول الله - تعالى-: ((إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ))، وتوجيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصحابته بالرد على إساءات المشركين في غزوة أحد، والحادثة مبسوطة في كتب السيرة وغيرها.

وثمة ملامح رئيسة ومنطلقات لا غنى عنها في استراتيجية مواجهة الإساءة، واختراق حاجز الصمت الذي يريد البعض بحسن نية أو غيرها فرضه على الأمة.

ويمكن أن نعدد من تلك الملامح الآتي:

1 - الحماسة اللحظية والعاطفة لا تغني شيئاً في المواجهة, بل وقد تصدر عنها أفعال تكون عاقبتها سيئة وغير محمودة على الإطلاق، وصحيح أن العاطفة ضرورية لتجيش الشارع الإسلامي، والحماسة مطلوبة لإشعال الغيرة على مقدسات المسلمين في قلوب الأمة، ولكنه يجب أن تكون عاطفة باعثة على همة مستمرة، وحماسة تقود إلى فاعليات منضبطة.

2 - القيام بأي أعمال عنف وشغب له آثار سلبية ويمثل إساءة للإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويوفر الذريعة للعدوان على الإسلام وأهله، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ))، وصحيح كذلك أن العدوان على الأمة ومقدساتها مستمر بهذه الأعمال وغيرها, ألا أنه يتحتم الالتزام بالمنهج الشرعي في مواجهة تلك الأعمال, فمن حق المسلمين أن يرفضوا وينددوا بهذا العدوان، وأن يعبروا عن رفضهم بشكل قاطع، ولكن من خلال الالتزام بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الانتصار.

3 - هناك ضرورة ملحة في التواصل لإبراز عالمية التحرك المناهض للإساءات, ومن ثم فإن الدعوات الصادرة بترك أمر المفاعلة لكل بلد على حدة باعتبارها أعلم بكيفية تصريف أوضاعها الداخلية في مواجهة هذه الهجمة الغربية يقلل من قيمة المواجهة الجماعية, ويفقد المواجهة قوتها الدافعة، بل ويجب أن تستغل هذه الإساءات لإبراز وحدة الأمة، وتجميع صفها؛ في مواجهة العدو المشترك, وإيجاد صلة مستقرة تربط العالم الإسلامي بالجاليات المسلمة في الغرب.

4 - الاستفادة من التجارب السابقة التي مرت بها الأمة، وواجهت بها الإساءة بصورة ناجحة, فقد نجحت المقاطعة الشعبية للمنتجات الدانماركية في 2005م, وكانت هي الأقوى أثراً عليهم, وفعلت الشارع العربي والإسلامي، وجعلت القضية شاغله له.

وقطعاً ستستمر الإساءة من قبل الغرب, ولكن عليه في كل مرة يُقدم فيها على خطوته تلك الآثمة أن يشعر بحرارة العاطفة الإسلامية نحو مقدساتهم تلهب ظهره، وغيرتهم وحبهم لنبيهم الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - تؤرق مضاجعه، فهو وإن استمر في الإساءة فعلينا أن نستمر في النصرة، والغلبة حتماً لمن يقف الحق في جانبه ((كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)).

منقول

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير