وقد وضع جامعو هذا الكتاب مقدمةً له، ألحوا فيها على ضرورة تنصير المسلمين، وقالوا: "إنه لم يسبق وجودُ عقيدة مبنية على التوحيد أعظم من عقيدة الدين الإسلامي الذي اقتحم قارتي آسيا وإفريقيا الواسعتين، وبث في مئتي مليون من البشر عقائده وشرائعه وتقاليده، وأحكم عروة ارتباطهم باللغة العربية، فأصبحوا كالأنقاض والآثار القديمة المتراكمة على جبل المقطم، أو هم كسلسلة جبال تناطح السحاب وتطاول السماء، مستنيرة ذرواتها بنور التوحيد ومسترسلة سفوحها في مهاوي تعدد الزوجات وانحطاط المرأة".
ثم يقولون: إن الكنيسة المسيحية ارتكبت خطأ كبيرًا بتركهم وشأنهم (أي المسلمين)، إذ ظهر لها أن أهمية الإسلام في الدرجة الثانية بالنسبة إلى 800 مليون وثني رأت أن تشتغل بهم، ورأت هذا وهي لم تعرف عظمة الإسلام وحقيقة قوته وسرعة نموه إلا منذ ثلاثين سنة فقط.
على أن أبواب التبشير صارت مفتوحة الآن في ممالك الإسلام الواقعة تحت سلطة النصرانية، مثل الهند والصين الجنوبية الشرقية ومصر وتونس والجزائر، وأن في العالم 140 مليون مسلم (في هذه المدة يوم أن كانت البلدان العربية ترزح تحت الاحتلال) يرتقبون الخلاص.
وفي مقدمة الكتاب بعض ملاحظات ونصائح للمنصرين الذين يعملون بين المسلمين في الشرق الأوسط، منها:
1 - يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم.
2 - يجب نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين؛ لأنه أهم عمل مسيحي، وقد تم جزء من هذه المهمة بعد أن طبع في بيروت 46 مليون نسخة من الكتاب المقدس.
3 - تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم؛ لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها.
4 - ينبغي للمبشرين ألا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة، إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوربيين وتحرير النساء، وأن تنصير أمثال "كامل" في بيروت "وعماد الدين " في الهند "وميرزا إبراهيم "في تبريز، وكذلك أعمال أخرى من هذا القبيل من شأنها أن تولد لنا مجهودات جديدة يجب علينا أن نحمد بسببها نعمة الله علينا.
وهكذا يخطط المنصرون لمنطقة الشرق الأوسط منذ ما يقرب من قرن من الزمان، إذ جاءوا في صحبة الاستعمار الغربي وكانوا رسلا لهذا الاستعمار في عدد من الدول العربية والإسلامية، ولقد رأينا كيف تتغلغل مؤسسات التنصير في مصر بلد الأزهر في مقالة سابقة نشرت بالموقع، وما يحدث في مصر يحدث في عدد كبير من الدول العربية التي تفتح أبوابها للمنصرين تحت ستار الإغاثة الإنسانية وتقديم المعونات والمساعدات والخبرة الأجنبية.
• التنصير في السودان:
ففي دولة مثل السودان نجد المنصرين يسيطرون على الجنوب، وتاريخهم في هذه الدولة يعود لسنوات طويلة، فقد دخل المنصرون السودان منذ عهد الاحتلال الإنجليزي الذي دعمهم وهيأ لهم الطريق وقدم لهم كل التسهيلات، وركزوا نشاطهم في الجنوب حيث توجد بعض المناطق الوثنية، واستهدفوا من وراء ذلك قفل الطريق أمام المسلمين ومنعهم من الوصول إلى هذه المناطق ونشر الدعوة الإسلامية فيها.
وعندما جاءت الكوارث إلى السودان، شعر المنصرون أن هذه فرصة ذهبية يستطيعون النفاذ من خلالها إلى المجتمع المسلم لتنصير السودان، كبداية لتنصير إفريقيا كلها. وعندما أدركوا أن السودان هي البوابة الجنوبية والتي ينطلق منها الإسلام إلى دول القارة فكروا في رسم خطة جديدة لتنصير السودان كله وليس الجنوب فقط، وقد دعموا حركة المتمردين في الجنوب، وهي حركة صليبية تدعمها الصهيونية والشيوعية بالمال والعتاد.
ولقد حذرت وثيقة صليبية وجهها اثنان من رؤساء الأساقفة إلى حاكم الإقليم الاستوائي في السودان وقت الاحتلال، من خطر الدعوة الإسلامية وجاء فيها: "لقد وضع العرب المسلمون خطة واضحة المعالم وبرنامجا للتنفيذ، بهدف تعريب وأسلمة العالم كله وإفريقيا هي أول الأهداف، إن هذه الخطة تطوق إفريقيا من الساحل حتى قلب القارة، وبما أن السودان جزء من وسط إفريقيا، وبما أن شمال السودان قد تم تعريبه وأسلمته، فإن الجنوب قد أصبح الهدف الأول للتعريب والأسلمة حتى تتسارع الخطى لتعريب إفريقيا كلها. إن العرب يعملون بجد لنشر لغتهم وثقافتهم بين الجنوبيين في الوقت الذي يرفضون فيه تعلم لغاتنا أو التخاطب بها، لاعتقادهم أن لغتهم وثقافتهم هي أرقى
¥