[هل كبر السن يمنع من طلب العلم؟]
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[10 - 06 - 07, 04:59 م]ـ
[هل كبر السن يمنع من طلب العلم؟]
سؤال:
أنا في ال 32 من عمري، فهل فاتني الوقت للبدء بطلب العلم، فمعلوم أن العلم في الصغر ليس كالعلم في الكبر، أيضاً فإني أحتاج إلى سنوات عديدة للدراسة، وقد تذهب قوتي وجلَدي على الدعوة حينما أكبر.
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نعم، الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، لكن ينبغي التنبه لأمور في هذا الباب، منها:
1. أن الحفظ في الصغر إن لم يكن معه متابعة للحفظ، وإحياء له: ضاع، وكالحجر قابل لترسب الأتربة عليه، وتغطية نقوشه كلها.
2. أن هذا ليس حصراً للحفظ في سن مبكرة، بل هو تشجيع لأولياء الأمور بالاهتمام بالطفل في سنهم المبكرة، فإن الأطفال في سنهم المبكرة ليس عندهم قدرة على الفهم، فتكون طاقاتهم متوجهة نحو الحفظ فقط، بخلاف الكبير فإنه يجمع بين الحفظ والفهم، فليس هذا حصراً لسن الحفظ، وإلا فقد وجدنا كثيراً ممن حفظ متأخراً في سنه كأنه نقش في الحجَر كذلك.
3. أن الحفظ ليس هو كل العلم، بل هو جزء منه، ومن فاته الحفظ في صغره: فلا يفوِّت الحفظ والعلم في كبَره، بل يستطيع أن يجمع بينهما، ولا ينبغي له الاستعجال على نفسه، فهو في عبادة عظيمة – وهي طلب العلم – فلا يستعجل قطف الثمرة.
ثانياً:
أنت أخي الفاضل في بداية الثلاثين من عمرك، ولم يفتك الوقت لتبدأ طلب العلم، فلا زلت في ريعان الشباب وقوته ونشاطه، بل إن بعض العلماء يرى أن سماع الحديث يبدأ من سن الثلاثين!.
قال السيوطي – رحمه الله -:
قال جماعة من العلماء: يُستحب أن يبتدئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة، وعليه أهل الشام ... .
" تدريب الراوي " (1/ 414).
ولتعلم أن مَن أسلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا كلهم صغاراً، بل الكثرة الكاثرة كانوا كباراً في السن، وما منعهم سنهم من الطلب والتعلم، وهم أساتذة الدنيا في العلم الشرعي، وإليهم المرجع في فهم نصوص القرآن، والسنَّة، فأبو بكر الصدِّيق هو أعلم هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأ في طلب العلم قريباً من الأربعين، ثم الخليفة عمر الفاروق، بدأ العلم قريباً من الثلاثين، وهكذا غيرهم كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي كتاب " العلم " من صحيح البخاري قال البخاري – رحمه الله -:
باب الاغتباط في العلم والحكمة وقال عمر: " تفقهوا قبل أن تُسوَّدوا ".
قال أبو عبد الله – يعني: البخاري نفسه -: وبعد أن تسوَّدوا، وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كبر سنِّهم.
" صحيح البخاري " (ص 39).
وقُل مثلَ ذلك فيمن طلب العلم متأخراً من الأئمة والعلماء المشهورين، وإليك نماذج طيبة من هؤلاء؛ لترفع همتك، وتجدد نشاطك، وتحيي قوتك:
1. أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي، المعروف بـ " القفّال "، شيخ الشافعية في زمانه، المتوفى سنة 417 هـ.
قال السبكي الشافعي – رحمه الله -:
الإمام الجليل أبو بكر القفال الصغير، شيخ طريقة خراسان، وإنما قيل له " القفَّال " لأنه كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره، وبرع في صناعتها، حتى صنع قفلا بآلاته ومفتاحه وزن أربع حبات، فلما كان ابن ثلاثين سنة أحس من نفسه ذكاء: فأقبل على الفقه، فاشتغل به على الشيخ أبي زيد وغيره، وصار إماماً يُقتدى به فيه، وتفقه عليه خلقٌ من أهل خراسان، وسمع الحديث، وحدَّث وأملى ... .
انظر " طبقات الشافعية " للسبكي (5/ 54)
2. أصبغ بن الفرج، مفتي الديار المصرية في زمانه، ومن علماء المالكية.
قال الذهبي – رحمه الله -:
الشيخ الإمام الكبير، مفتي الديار المصرية، وعالِمها، أبو عبد الله الأموي مولاهم، المصري، المالكي.
مولده بعد الخمسين ومئة.
وطلب العلم وهو شاب كبير، ففاته مالك، والليث. " سير أعلام النبلاء " (10/ 656).
3. عيسى بن موسى غنجار، أبو أحمد البخاري، محدِّث ما وراء النهر.
قال الحاكم:
هو إمام عصره، طلب العلم على كبر السنِّ، وطوَّف.
" شذرات الذهب " (1/ 330).
4. قاضي القضاة بمصر: الحارث بن مسكين، توفي سنة 250 هـ.
قال الذهبي – رحمه الله -:
وإنما طلب العلم على كبَر.
" سير أعلام النبلاء " (12/ 54).
¥