تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

11 - وقيل لبزْرجمهر: بم جمعت هذا العلم الكثير؟!

قال: ببكور كبكور الغراب، وحرص كحرص الخنزير، وصبر كصبر الحمار.

ونحو هذا قول شعبة وقد قيل له: ما بال حديثك نقِيَّاً؟!

قال: لِتَرْكِيَ العصائد بالغدوات. ص65

12 - إن الكتب لا تحيي الموتى، ولا تحول الأحمق عاقلاً، ولا البليد ذكياً، ولكن الطبيعة إذا كان فيها أدنى قبول فالكتب تشحذ، وتفتق، وترهف.

ومن أراد أن يعلم كل شيء فينبغي لأهله أن يداووه؛ فإن ذلك إنما تصور له لشيء اعتراه. ص70

13 - وقال الزهري: إن الرجل ليطلب وقَلْبُه شِعْبٌ من الشعاب، ثم لا يلبث أن يصير وادياً، لا يوضع فيه شيء إلا التهمة.

قلنا: يريد أن أول الحفظ شديد يشق على الإنسان، ثم إذا اعتاد سهل.

ومصداق ذلك ما أخبرنا به الشيخ أبو أحمد، عن الصُّولي، عن الحارث بن أسامة قال: كان العلماء يقولون: كل وعاء أفرغت فيه شيئاً فإنه يضيق إلا القلب؛ فإنه كلما أفرغ فيه اتسع.

وقال أبو السمح الطائي: كنت أسمع عمومتي في المجلس ينشدون الشعر، فإذا استعدتهم زجروني وسبوني، وقالوا: تسمع شيئاً ولا تحفظه!

قال الشيخ: وكان الحفظ يتعذر عليّ حين ابتدأت أرومه، ثم عودته نفسي، إلى أن حفظت قصيدة رؤبة:

*وقاتم الأعماق خاوي المخترق* في ليلة وهي قريب من مائتي بيت.

وقد قال الشعبي: ما وضعت سوداء في بيضاء قطُّ، ولا حدثني أحدٌ بحديثٍ فاحتجتُ إلى أن يعيده علي. ص71 - 72

14 - وينبغي للدارس أن يرفع صوته في درسه حتى يُسمع نفسه؛ فإن ما سمعته الأذن رسخ في القلب؛ ولهذا كان الإنسان أوعى لما يسمعه منه لما يقرأه، وإذا كان المدروس مما يفسح طرق الفصاحة، ورفع به الدارس صوته زادت فصاحته. ص73

15 - وحكي لي عن بعض المشايخ أنه قال: رأيت في بعض قرى النبط فتىً فصيحَ اللهجة، حسنَ البيان، فسألته عن سبب فصاحته مع لُكْنة أهل جلدته! فقال: كنت أعمِد في كل يوم إلى خمسين ورقة من كتب الجاحظ، فأرفع صوتي بها في قراءتها، فما مر لي إلا زمان قصير، حتى صرت إلى ما ترى. ص73

16 - وحكي لي عن أبي حامد أنه كان يقول لأصحابه: إذا درستم فارفعوا أصواتكم، فإنه أثبت للحفظ، وأذهب للنوم.

وكان يقول: القراءة الخفية للفهم، والرفيعة للحفظ والفهم، وكان بعضهم يقرأ الكتاب، ثم يذاكر به حرفاً حرفاً، كأن قارئاً يقرؤه عليه، فيفسره له. ص73

17 - واعلم أن الذكاء، وجودة القريحة، وثقوب الذهن جواهر نفيسةٌ، فإذا طلب صاحبها العلم فبلغ مبلغاً فقد حفظ جمالها على نفسه، وأحرز منفعتها لها.

ومن ترك الطلب حتى كَلَّ ذهنه، وعميت فطنته، وتبلدت قريحته، مع إدبار عمره - كان كمن عَمَد إلى ما عنده من الياقوت والدر فرضَّه، وأبطل الجَمَال والنفعَ به.

وإذا كان ما جمعته من العلم قليلاً، وكان حفظاً كثرت المنفعة به، وإذا كان كثيراً غير محفوظ قلت منفعته. ص74 - 75

18 - وقال المنصور بن المهدي للمأمون: أيحسن بمثلي أن يتعلم؟

فقال: والله لأن تموت طالباً للعلم خيرٌ من أن تموت قانعاً بالجهل. ص76

19 - وحكي عن ثعلب أنه كان لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوةٍ، شرط عليه أن يوسع له مقدار مِسْوَرة؛ يضع فيها كتاباً ويدرس. ص76 - 77

20 - وكان أبو بكر الخياط النحوي يدرس جميع أوقاته، حتى في الطريق، وكان ربما سقط في جرف، أو خبطته دابةٌ. ص77

21 - وحكي عن بعضهم أنه كان يشد في وسطه خيطاً إذا قام من الليل يدرسُ؛ خوفاً من أن يسقط إذا نعس. ص77

22 - وكان ابن الفرات لا يترك كل يوم إذا أصبح أن يحفظ شيئا وإن قل.

وكان بعضهم يقول: متى تبلغ من العلم مبلغاً يُرْضى، وأنت تؤثر النوم على الدرس، والأكل على القراءة؟ ص77

23 - وكان الأصمعي يحفظ اثنتي عشرة ألف أرجوزة، فيها ما كان عدد أبياتها المائة والمائتين. ص79

24 - قال الشيخ أبو هلال: وعند الحكماء أن من تبرم بالعلم والعلماء، ومن يقدر على حفظ العلم والأدب، وهو مقصر فيه - فليس بإنسان كاملٍ، والكاملُ مِنَ الناس مَنْ عرف فضل العلم، ثم إن قدر عليه طلبه. ص82

25 - وقال الحسن: من ترك طلب العلم؛ حياءً ألبسه الجهل سرباله، ومن رق وجهه رق علمه.

وقال الخليل: منزلة الجهل بين الحياء والأنفة. ص84

26 - قال أبو هلال: وجعل الحكماء منزلة العلماء مثل منزلة الملوك.

فقالوا: من أدب الداخل على العالم أن يسلم على أصحابه عامةً، ويخصه بالتحية، ويجلس قدامه، ولا يشير بيده، ولا يغمز بعينه، ولا يقول بخلاف قوله، ولا يغتاب عنده أحداً، ولا يسارَّ في مجلسه، ولا يُلِحَّ عليه إذا كسل، ولا يعرض عن كلامه، فإنه بمنزلة النخلة، لا يزال يَسْقُطُ عليك منها شيء ينفعك. ص84

27 - وكان الخليل يقول: أثقل ساعات علي ساعة آكل فيها! ص88

28 - قال أبو هلال: ولو أن الجاهل تبين نقيصة الجهل من نفسه - لفزع إلى مفارقته بالكد في التعلم، ولكنه كآكل الثوم، لا يشم من نفسه نتنه، وإنما يشمه غيره، ويتأذى به سواه. ص97

29 - والفضيحة بالجهل عظيمةٌ، والغبن به كثيرٌ لو عرفه الجاهل. ص97

30 - ولا يرضى بالجهل إلا من هانت عليه نفسه، فلا يبالي أن يهجى، ويُسْتَخَفَّ به، ويُسخر منه، وأدنى حقه منه ذلك.

ومن أكرمه -إلا عند ضرورة- فقد وقع الإكرام في غير موضعه. ص97


[1] الثنايا: جمع ثنية وهي الطريق في الجبل.

[2] القلل: جمع قلة وهي قمة الجبل.

[3] الذرى: جمع ذروة وذروة كل شيء أعلاه.

[4] التوقُّل: الصعود.

[5] القذفات: جمع قُذفة وهي أعالي الجبل ونواحيه.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير