[إلى متى يا امة محمد]
ـ[احمد ملحم]ــــــــ[23 - 03 - 08, 10:51 ص]ـ
[إلى متى يا امة محمد]
إلى عهد قريب كان أعداء الإسلام و المسلمين معروفين و في غاية الوضوح و كانت اعتداءاتهم على المسلمين متفرقة وبعيدة تارة من الغرب وتارة من الشرق، أما ألان فاختلف الوضع كثيرا و أصبحنا لا نميز العدو من الصديق و المسلم من غير المسلم و بلادنا أهي بلاد إسلام فعلا و تكالبت عاينا ملل الكفر من كل صوب قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكله على قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله؟! قال: لا؛ أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تُنزع من قلوبكم المهابة ويُقذف فيها الوهن، فقالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)، فإذا أحب المسلمون الدنيا ورضوا بها وكرهوا الموت في سبيل الله فهنا يأتي الذل وتأتي المهانة، ويأتي تسلط العدو عليهم، ولا يكون العز إلا إذا سلكوا مثل مسلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان قائدهم إذا أتى الكفار يقول لهم: يا هؤلاء! والله لقد جئتكم بقوم يحبون الموت، كما تحبون الحياة.
ولما ذهب عمرو بن العاص رضي الله عنه لفتح مصر وحصل ما حصل بينه وبين الروم جمعوا له جمعاً كثيراً قيل: إنهم بلغوا ما يقرب من أربعمائة ألف مقاتل.
وكان معه عدد قليل لا يمكن أنه يصمد أمام الروم، فكتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بالأمر ويستحثه بأن يرسل له مدداً ويقول: أقل ما ترسل إلي أربعة آلاف.
فكتب إليه الخليفة رضي الله عنه يعاتبه ويقول له: احترسوا من المعاصي أشد من احتراسكم من عدوكم؛ فإنكم لا تنصرون بعددكم وعدتكم، وإنما تنصرون بطاعتكم لربكم جل وعلا وإتباعكم لسنة رسولكم صلى الله عليه وسلم، فإذا حصلت المعصية تسلط على المسلمين عدوهم ثم أرسل له أربعة رجال فقط بدل أربعة آلاف؛ ومع ذلك نصره الله جل وعلا نصراً ظاهراً على الكفار.
فالمقصود أن الله جل وعلا وعد عباده النصر بشرط التقوى والطاعة، فإذا اتقوه وأطاعوه فإن الله جل وعلا ينصرهم، وقد كان الأمر في أول الإسلام أنه لا يجوز أن يفر المسلم من عدد ضعفه مرات، فكان العشرون مأمورين بمغالبة مائتين في أول الأمر، ثم خفف عنهم وصار الضعف، فإذا كان أمام المسلمين ضعفهم فهذا أمر قد وعد الله جل وعلا بأن النصر لهم، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يُغلب عشرة آلاف من قلة)، أي: مهما كانوا أعداؤهم لأن الكثرة ليس لها معنى إذا لم يكن فيها تأييد من الله، فلابد أن يكون هناك ثقة بالله، والتأييد والنصر لا يكون إلا مع الطاعة والإتباع، فإذا وجد هذا فالنصر لابد منه بإذن الله تعالى؛ لأن وعد الله حق، والله لا يخلف وعده.
والله جل وعلا يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، إذا شاء نصر عباده أظهرهم وصار الجهاد ظاهراً، وجعل راية الإسلام مرفوعة، وإذا شاء ضعف المسلمين جعلهم تحت حماية الكفار، وجعل الكفار هم الظاهرين، ولكن هذا لا يكون إلا بسبب أفعال المسلمين أنفسهم، وبسبب عدم تمسكهم بدينهم وبسبب رغبتهم في الدنيا، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (إذا رضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم).
نعم! مليار ومئتا مليون مسلم، ولكن لا وزن لأكثرهم ولا قيمة، معظم دُولهم ضعيفة تعاني الفساد وتشكو الفقر، وأكثر شعوبهم مسكينة تعاني الجهل وتشكو القهر و الهزيمة.
لعل من أهم أسباب هذه الهزيمة التي أصابت الأمة في مقتل وأدى إلى ضعفها ووهنها، بُعد كثير من المسلمين عن دينهم وجهلهم بحقيقته، ومرارة الواقع الذي يعيشونه، وخذلان المسلمين بعضهم بعضاً، وعدم اتحادهم أمام قوة أعدائهم، وعدم إدراكهم لأسباب المد والجزر في تاريخ أمتهم، وعدم إلمامهم بعوامل النصر والهزيمة، وتأثرهم بوسائل الإعلام الموجهة إليهم التي يحرص الغرب من خلالها على إبراز أنشطته العسكرية وقدراته الحربية واستعراض أسلحته وتقنيته المتطورة، وإشهار اكتشافاته العلمية وغزوه حتى للفضاء الخارجي، ونحو ذلك من الأمور التي تُعزز مكانته وتوهن غيره وتوحي له بالعجز واليأس، بالإضافة إلى ما يرونه من هيمنة أعدائهم على معظم المنظمات والبنوك والهيئات الرسمية واستغلالها لإخضاع الدول الإسلامية وإخضاع بعضها بالعقوبات والمقاطعات الاقتصادية، وأحياناً بالقوة والتدخل العسكري إذا لزم الأمر.
مثل هذه الأمور مجتمعة ولّدت هزائم نفسية متتابعة، كان الغرب يهدف إليها ويغذيها بشتى وسائله الإعلامية والسياسية والاقتصادية، ليستمر التخدير، ويدوم الخنوع.