تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و في هَزلِهِم المخلوطِ بالجدِّ يَتَناولُونَ الشَريعَة تارَّةً بالتمييعِ فيُناقِشُونَ مثلاً أدلَّةَ الحِجَابِ مُناقشَةً تهريجِيَّةً، و بالتَشْكِيكِ و اللَّمْزِ تارَّةً أُخرَى، وَ لَا يَفُوتُهُم في ذَلكَ تَنَاوُلُ العُلماءِ بالعَيْبِ و الثَلَبِ، و قدْ وَصَلَ بَعْضُهُم إلَى أنْ قَالَ في سِياقِ هَزْلِهِ أنَّ النَظَرَ إلَى امْرأَةٍ جَرْدَاءَ عَلَى شَاطِئِ البَحرِ هُوَ مِنْ قَبيلِ نَظَرِ التَفَكُرِ في جَوْدَةِ حِبْكَةِ المَصْنُوعِ الدَّالِ عَلَى عَظَمَةِ الصَّانِعِ .. فويلٌ للأَفَكَةِ الأَثَمَةِ: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} 65 - 66: التوبة.

و لا يَفْتَأُ الإِعْلامُ المَخذُولُ في تَلْميعِهِم و تقْدِيمِهِم، و إِعَانَتِهِم لِتَشْكِيكِ الأَجْيَالِ في ثَوابِتِهَا وَ مُعْتَقَدِهَا السَّلِيمِ بِإِثَارَةِ الجَدَلِ حَوْلَهَا، كأنْ تَكْتُبَ صحيفةٌ كعنوانٍ رئيسِي لها: هل الحجاب رمز أو تدين؟ وَ يَجلبوا مَنْ لا يُعْتَدُّ بِوِفَاقِهِم، فكيف بِخِلافِهِم، فَيُوهِمُوا و كأنَّ في المَسْأَلَةِ نقاشٌ حادٌّ و تنازعَ فيها أرْبَابُ الفِكْرِ، وَ قَدْ عَهِدنَا كُلَّ هَذَا مِنَ الإِعْلَامِ الهَالِكِ مِنْ تَلْمِيعِ البَاطِلِ مَعَ ظُلْمَتِهِ، وَ تَهْوِينِ الحَقِّ معَ وَضَاءَتِهِ، و لوْ نَطَقَ أهْلُهُ لَقالوا شِرْذِمَةٌ قليلون.

و إذا تناطَحَتِ الدُوَّلُ و اشْتَدَّ وَهَجُ الحُرُوبِ فإنَّ الخَوْفَ وَ التَّرْكِيزَ يَكُونُ عَلَى العَوَاصِمِ، فإنْ سَقَطَتْ العَاصِمَة أوْ دَارُ الخِلافَةِ تَهَاوَت باقي الحُصُونِ وَ تَضَعُ الحَرْبُ أوْزارَهَا بانْتِصَارِ مَنْ استوْلَى عَلى عاصمَةِ الآخر .. وَ مِنْ هُنا فَهُم في الآوِنَةِ الأَخيرةِ حَشَدُوا حُشُودَهُم إلَى حَبِيبَةِ المُؤمِنِينَ، جَزِيرَةِ العَرَبِ، و طَفِقُوا يَتَسَلَلُونَ إلى السَعُودِيَةِ فَحَامُوا حَوْلَ الحِمَى فَأَلْفَوْا الحِصْنَ ذُو شِدَّةٍ وَ مَنَعَةٍ، وَ عَليه حُراسٌ ذَوُو قُوَّةٍ وَ أَنَفَةٍ، فَعَلِمُوا أنَّهُم لاَ قِبَلَ لَهُم بالمُقَارَعَةِ المَكْشُوفَةِ، فَقالُوا نَرْضَى بَادِئَ بَدْءٍ باليَسِيرِ، وَ عَمِلُوا بقاعِدَةِ مَا لَا يُدرَكُ كُلُّهُ لا يُتركُ جُلُّهُ، فأثاروا قَضيةَ النِّقَابِ و سِيَاقَةِ المَرأَةِ، وَ مَعَ أنَّهُم لَا يَنْتَظِرُونَ الكَثيرَ مِنْ خُطوَتِهِم الأَوَّلِيَةِ، إلاَّ أنَّهُم يُريدُونَ فَقَطْ حَفْرَ فَجْوَةٍ لِيُمَهِّدُوا الطَريقَ لأَفْرَاخِهِم مِنْ بَعْدِهِم لِيَتَسَلَّلُوا و لِيَأْخُذُوا بَقِيَّةَ المَتَاعِ المَسْلُوبِ، فَهُم أَقْوَامٌ يُوحِي إِلَيهِم الشَّيطَانُ بِخُطَّةِ التَدَرُجِ و التَدَحرُج، و التَلطفِ في الجَرِّ، وَ العَزِيمَةِ والتَصَبُّرِ لِلزمنِ، فَلَهُم جَلَدٌ عَلَى البَاطِلِ وَ لَوْ اسْتَدعاهم إلَى نَحْتِ شِعَارَاتِهِم على الصُّخُورِ الصَّمَاءِ بأظافرِهِم لَفَعَلُوا.

وَ قَدْ هَالَنَا أَنْ نَسْمَعَ نِداءا نِسْوِيا مِنْ هُنَاكَ يَنْبَحُ بِنُبَاحِهِم، فَكَرِهْنَا قَاسما أمينا مذكّرا كان أو مؤنثا، و قُلْتُ: وَيْكَأَنَّ الشَاةَ التي تَرعَى طَليقَةً فِي فَسِيحِ الرِّحَابِ لَم تَتَّعِظ بالشاةِ المَذْبُوحَة في المُجتَمَعاتِ المُتَغَرِّبَةِ و لاَ بِالشَاةِ المَسلُوخَةِ في المُجتَمَعَاتِ الغَربِيَّةِ، وَ لَا جَرَمَ أنَّ الدَّورَ القَادِمَ حَسْبَ رُزْنَامَتِهِم هُوَ للطليقَةِ أنْ تُذْبَحَ و للمذبوحةِ أنْ تُسلخَ، و الله أعلم ما يُفعل بالمسلوخةِ! و لتَعلمُنَّ نَبَأهُ بعدَ حين.

فأيْنَ العُقولُ التِّي تَنظُرُ بِنورٍ فتتلمَّحُ العواقبَ و المآلاتِ؟!

و إنِّي فِي الخِتامِ لا أدَّعِي أنِّي قدْ كَشَفْتُ كُلَّ مَاعندَهُم فَأخْرِقَ دَعْوَتَهُم و لا أنِّي فَنَّدْتُ شُبُهَهُم، فلنْ أَبْلُغَ طُولَ مَكْرِهِم الذي يَمْكرونَهُ باللَّيلِ و النَّهَارِ، وَ لكنَّها سطُورٌ لتنبيهِ المُؤمناتِ الغافلاتِ، فإنَّا نُريدُهُنَّ كذاتِ النِطاقِ لا كذواتِ العُشَّاقِ، وَ لَوْ استدعَا الحَالُ مِنْ إحداهِنَّ أنْ تَشُقَّ نِطَاقَهَا فَوَاحدٌ لِزَادِ المُهاجِرينَ إلَى اللهِ و الآخَرُ لِحِشْمَتِهَا وَ سِتْرِهَا، وَ منْ كانتْ تَسير في خفَارَةِ الحَقِّ فلا تسْتَوْحِشَنَّ الطَريقَ، و لا تَلْتَفِتَنَّ إلى مَوكِبِ المُنْخَذِلاتِ، و عَسَى أنْ تكونَ سُطوري شافيةً بَعض الشَّيءِ حتَّى يُكَفْكِفَ الحيرانُ دُمُوعَهُ، فإنِّي وَدِدْتُ لَوْ كانَ قَلمي الذي بَيْنَ أَنامِلي صَارمًا بِكفِّي لأجْعَلَهُ في نُحُورِ ألسنةِ أعادِي الحِجاب، ثُمَّ أَقْطَعُها و أرْمي بها طعْمَةً للكلاب، وَ لَا تَثْريبَ عليَّ بَعدَهَا وَ لا عِتاب، سائلاً ربِّي حُسْنَ المَثَابِ و صِدْقَ المَتَابِ، و آخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله البَرِّ التَّوابِ.

http://www.merathdz.com/play.php?catsmktba=1582

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير