وهذا أبرز ما نراه في عصر الإعلام إذ يتجلى الجفاء في العدول عن سيرته صلى الله عليه وسلم وسنته وواقعه وأعماله إلى رموز آخرين غربيين أو غيرهم، والأدهى من ذلك أن يأتي من يقارن أقوال هؤلاء ويقاربها بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله، ثم يعرضها للعموم والعامة.
وتلك مصيبة تهوِّن على العوام التجني على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته، بل وتثير الشكوك في أقواله وأعماله التشريعية صلى الله عليه وسلم والتي هي محض وحي: {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4].
بل حتى نجد في ساحات الإنترنت اعتزاز عجيب غريب بأقوال هؤلاء، وهذا كله إنما دليل على انتقاصنا بقيمتنا الحقيقية رغم ما جاءنا من كنوز نبوية ..
فما يقوله النبي صلى الله عله وسلم، إلا ما يبهر أهل الغرب ومن باب أولى أن يأخذ بألبابنا، فما يقوله ليس من كلام البشر، ولا من تجارب إنسان قاصر!
إنما هو دستور سماوي، حتى أعتى قائد في الدنيا يحارب هذا الدين يقر أن ما بين أيدينا ليس بالشيء الهين! لولا مكابرته في قبول الحق ..
فأين نحن من الاعتزاز بها وإظهارها للناس عامه، فهذه فرصتنا، ليكون حديث النبي صلى الله عليه وسلم شعارنا ومظهرنا ..
فما اعتز أحد بالنبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا إلا زاده الله رفعة وصلاح ..
ومن المؤسف حقاً أن تجتمع أكثر من صفة بنا من صفات الجفاء ..
فالعجب العجاب أن ينتشر بيننا الصفة التالية:
5) نزع هيبة الكلام حين الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
ففي مجالسنا ومنتدياتنا نلاحظ منا جفاءً روحانيًا وأبرز ما نراه ويتضح هو في نزع هيبة الكلام حين الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكأنها حديث عابر، فلا أدب في الكلام، ولا توقير للحديث، ولا استشعار لهيبة الجلال النبوي!
قد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات:2].
ففي هذه الآية وضح الله تعالى الأدب الرباني تجاه نبينا صلى الله عليه وسلم بل ففي القصة أن عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحاضرين بالسكوت، فلا يتحدث أحد، ولا يُبرى قلم، ولا يبتسم أحد، ولا يقوم أحد قائمًا، كأن على رؤوسهم الطير، أو كأنهم في صلاة، فإذا رأى أحدًا منهم تبسم أو تحدث لبس نعله وخرج!
تأملي كيف كان السلف يحترمون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل استشعري ذلك عنك سماعك للحديث وحاولي أن تجعلي هذا الحديث يحيط حياتك ويكون في نفسك تجاهه هيبة وتوقير واحترام، فقد كان مالك رحمه الله أشد تعظيمًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا جلس جلس كيف كان، وإذا أراد الجلوس للحديث اغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جددًا وتعمم وقعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار، ويبخر المجلس من أوله إلى فراغه تعظيمًا للحديث.
فقيسي هذا الحال بأحوالنا، وهذه الهيبة، بجفائنا، لمَ لا نتخذ من ذلك مبدأ، فبتعظيم من يحبه ربنا تباك وتعالى تعظيم لأنفسنا، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يستحق هذا التعظيم، فإبلاغ الرسالة ليس بالأمر الهين ..
ووصولها إلينا حتى هذا اليوم يثير العجب وتحرك مشاعر الأشواق لهذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي صدح برسالة محفوظة من التحريف حتى تلك اللحظة ..
بل العجب الأكبر أن يكون أيضاً من بيننا من يحارب السنة بهذا السلاح الفتاك وهو:
6) هجر أهل السنة أو اغتيابهم والاستهزاء بهم:
فإن ذلك من الهدم للدين، والحرب على الإسلام بكافة، فالاستهزاء بالأخت الملتزمة بالسنة وانتقاص قدرها، إنما هو من أشنع وأشد صور الجفاء تجاه محمد صلى الله عليه وسلم، بل نجد من ينتقد ويعيب إن التزمت أختها أو صديقتها بهدي السنة سواءاً ظاهراً أو باطنا!، لكن لتعلم الملتزمة بالسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال"لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". فاقتفاء أثر النبي صلى الله عليه وسلم والبعث على ذلك إنما هو شرف وفوز عظيم فمن يا ترى ستحوز عليه ولقد قال الجنيد بن محمد كلمة رائعة وهي:
¥