وكذا أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه (3/ 1682ح 2131) وفيه قصة. قال أنس: نادى رجل رجلاً بالبقيع يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لم أعنك إنما دعوت فلاناً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي".
وأخرجه أيضاً من حديث جابر رضي الله عنه (3/ 1682ح 2133)، وذكر فيه قصة أخرى، قال جابر رضي الله عنه (ولد لرجل منا غلام فسماه محمداً فقال له قومه لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بابنه حامله على ظهره فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ولد لي غلام فسميته محمداً فقال لي قومي لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم أقسم بينكم".
حكم التكنية بأبي القاسم:
اختلف العلماء في التكني بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: المنع مطلقاً، سواء كان اسمه محمداً أم لا. ثبت ذلك عن الشافعي، وهو مذهب الظاهرية، ويستدل له بظاهر الأحاديث المتقدمة.
المذهب الثاني: الجواز مطلقاً، ويختص النهي بحياته صلى الله عليه وسلم.
أدلته:
(1) رواية مسلم عن أنس ففيها الإشارة إلى سبب المنع، والقاضي بزوال الحكم عند زوال السبب.
(2) واحتجوا أيضاً بما أخرجه البخاري في الأدب المفرد (843) وأبو داود (4967) والترمذي (2843)، وصححه الحاكم من حديث علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنْ ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: (نعم). فهذه رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال عنها ابن حجر: (وسندها قوي).
(3) وورد ما يدل على أن الصحابة -رضي الله عنهم- فهموا تخصيص النهي بزمانه صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض الصحابة-رضي الله عنهم- سمى ابنه محمداً وكناه أبا القاسم وهو طلحة بن عبيد الله-رضي الله عنه-، وكذا يقال لكنية كل من المحمَدِين ابن أبي بكر، وابن سعد، وابن جعفر بن أبي طالب، وابن عبد الرحمن بن عوف، وابن حاطب بن أبي بلتعة، وابن الأشعث بن قيس أبو القاسم، وأن آباءهم كنوهم بذلك.
قال القاضي عياض: وبه قال جمهور السلف والخلف وفقهاء الأمصار.
المذهب الثالث: لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز لغيره، وهذا ارتضاه الرافعي، ووهاه النووي.
وقد ورد ما يؤيد هذا المذهب، وذلك فيما أخرجه أحمد (8109) وأبو داود (496) وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "من تسمى باسمي فلا يكتنى بكنيتي، ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي".
وأقرب الأقوال، وأوجههما الثاني والثالث، لأنها تتضمن صوارف معتبرة عن التحريم المطلق، والقول الأول: أبرأ للذمة وأعظم للحرمة. والله أعلم.
*****
رقم الفتوى: 2850
عنوان الفتوى: جواز التكني بأبي القاسم
تاريخ الفتوى: 13 ربيع الثاني 1422
السؤال
هل يجوز أن يتكنى الرجل المسلم بكنية رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبو القاسم)؟. الرجاء إرفاق نص الحديث إن وجد.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه المسألة قد اختلف أهل العلم فيها على ثلاثة أقوال: الجواز مطلقاً، المنع مطلقاً، المنع لمن كان اسمه محمد والجواز لغيره. والقول الأول هو الصواب إن شاء الله وذلك لما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث علي رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد أأسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال نعم، وورد عن كثير من الصحابة أنهم سموا أبناءهم بمحمد وكنوهم بأبي القاسم. كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح 10/ 589 ومنهم: أبوبكر وجعفر بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وحاطب بن أبي بلتعة والأشعث بن قيس رضي الله عنهم. قال القاضي عياض: وبهذا القول يقول جمهور السلف والخلف وفقهاء الأمصار. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المتفق عليه: "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي". فالمقصود به -كما قال المحققون- النهي عن التكني بكنيته في حال حياته خشية أن ينادى غيره بهذه الكنية فيظن هو صلى الله عليه وسلم أنه هو المراد. والله أعلم.
¥