تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كيف يكون ابني محدّثاً؟

ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[17 - 06 - 07, 02:36 ص]ـ

كيف يكون ابني محدّثاً؟

علم الحديث علم منيف لا يناله إلا الجهابذة من أفذاذ الورى, الّذين تسنّموا ذرى المجد وأخذوا بزمام العُلى, يحفظون أحاديث رسول الله صلّى عليه وسلّم, ويتفقهون في معانيها ويعلمون أحكامها ومقاصدها لأفراد الأمة. ينخلون المصنّفات الإسلامية والدواوين الشرعية للتنقير عن المرويات و الحكم على الرّوايات, فما أعظم أجرهم عند مولاهم؟! وما أصبر نفوسهم على مجاهدة أهوائهم!. (1)

وكم تمنّى الآباء والمربون أن يكون أبناؤهم محدّثين, يرتعون في رياض السّنة المُحمدية

ويعبّون من معينها الفياض, ويرتشفون من رحيقها الزاهر> لكن النّعيم لا يُدرك بالنعيم, والأماني من دونها جسور التّعب وكدّ السّنين ومجافاة اللّذائذ وشهوات النفوس. و قد قال:

الشاطبي (ت 790 هـ): " كثيراً ما كنت أسمع الأستاذ أبا علي الزواوي يقول: قال بعض العُقلاء: لا يُسمّى العالم بعلم ما عالماً على الإطلاق, حتّى تتوفر فيه أربعة شروط:

الأول: أن يكون قد أحاط علما بأصول ذلك العلم على الكمال.

الثاني: أن يكون له قدرة على العبارة عن ذلك العلم.

الثالث: أن يكون عارفاً بما يلزم عنه.

الرّابع: أن تكون له قدرة على دفع الإشكالات الواردة على ذلك العلم " (2).

ومما يُعين على تلك المراتب البهية والمناصب العلية, شحذ القريحة بالحفظ والتّفقُه. قال علي بن المديني (ت 234 هـ): " ما نظرتُُ في كتاب شيخ فاحتجت إلى السؤال به عن غيري " (3)

وقال ابن أبي حاتم (ت 327 هـ): " سألت أبي رحمه الله عن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني: أيهما كان أحفظ؟ قال: كانا في الحفظ مُتقاربين, وكان أحمد أفقه, وكان علي أفهم بالحديث " (4).

ومن اللطائف العجيبة والمعاني المهيبة أن ابن المديني كان إذا دخل بلداً لطلب العلم يطوف على شيوخ ذلك البلد يغترف مما عندهم من الحديث والمعارف الإسلامية, حتى إنه لم يترك طلب العلم في يوم الصّدور من مزدلفة عندما قدم للحج ـ ولا شك أن منى في ذلك اليوم مزدحمة بالحجاج, فقد كان ملازما لشيخه الوليد بن مسلم في مسجد منى وعليه زحام كثير, يأخذون عنه العلم, وينتهزون فرصة لقائه في الموسم (5).

وينصح المُحققون ـ في هذا الباب ـ طالب الحديث بحفظ مختصر في هذا الفن, ليعرف أبوابه وفوائده وشرائده.

ومن أعظم تلك المختصرات تحريراً وضبطاً الألفية الشّهيرة التي نظّمها الحافظ العراقي (ت 806 هـ) شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) ـ رحم الله الجميع، وهي المعروفة بـ " التّبصرة والتّذكرة في علوم الحديث " وعدد أبياتها (1002) بيت.

وقد رسم في أبياتها طريقة تربية طالب العلم ليكون مُحدّثاً فطناً عارفاً بالسّنة المحمدية. يقول في بعض أبياتها:

وأخلص النّية في طلبكا وجدّ وابدأ بعوالي مصركا

وما يُهّم , ثم شُد الرحلا لغيره , ولا تساهل حملا

واعمل بما تسمع في الفضائل والشيخ بجّله ولا تثاقل

عليه تطويلاً بحيث يضجر ولا تكن يمنعك التّكبر

أو الحيا عن طلب واجتنب كتم السماع فهو لؤم واكتب

ما تستفيد عالياً ونازلاً لا كثرة الشيوخ صّيتا عاطلا

ومن يقل: إذا كتبت قمّش ثم إذا رويته ففتّش

فليس من ذا, والكتاب تمّم سماعه لا تنتخبه تندم

وإن يضق حال عن استيعابه لعارف أجاد في انتخابه

أو قصّر استعان ذا حفظٍ فقد كان من الحُفاظ من له يُعَدّ

واقرأ كتاباً في علوم الأثر كابن الصلاح أو كذا المُختصر

وبالصحيحين ابدأن ثُم السّنن والبيهقي ضبطاً وفهماً ثُمّ ثن

بما اقتضته حاجة من مُسند أحمد والموطأ الممهّدِ (6).

وهي ألفيّة بديعة شرحها النّاظم وغيره من الأئمة الحفاظ.

ومن أنفع مسالك التربية ـ في هذا الباب ـ أن ينظر الشبيبة المسلم في تراجم المحدثين من الأئمة المحققين, كـ " مالك بن أنس " (ت 179هـ) "ويحيى بن سعيد القطّان " (ت 198 هـ) , ومحمد بن إدريس الشّافعي " (ت 204 هـ) , و " أحمد بن حنبل " (ت 241هـ) , وغيرهم من الأئمة الجهابذة فإن التأمل في سيرهم وأحوالهم يربي النّفس ويختصر الطريق لمعرفة طرائق الرواية والدّراية وفنون التّخريج والنظر في الأسانيد ومعرفة طبقات الرواة ووجوه الترجيح. (7)

وحفظ الكتب الحديثية المشهورة يكون على إحدى طريقتين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير