الغولية والسِّمامة بين الطب والإسلام
ـ[أبو الأشبال عبدالجبار]ــــــــ[16 - 05 - 08, 06:04 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد:
[الغولية والسمامة بين الطب والإسلام]
الدكتور: أمل العلمي
ا- القرآن والغولية:
إذا نحن استعرضنا الآيات القرآنية المتصلة بالغول وبالخمر مرتبة ترتيبا زمنيا حسب أوقات نزول الوحي تستجلي أسلوبا سديدا ومتبصرا في الطريقة التي تم بها منع المشروبات المسكرة. فإننا نجد أن هذا المنع وقع بكيفية تدريجية متبعا " نظاما فطاميا " على مستوى مجتمعي نظرا إلى أن العرب عند مجيء الإسلام كانوا مولعين بالخمر. بل إنهم درجوا على اعتبار شرب الخمر شيمة من شيم النبل والكرم والشرف يتباهون به ويفتخر به شعراؤهم. فلم يكن من السهل أن يتركوا هذه العادة المتأصلة.
ولذلك نهج الإسلام في المنع منهجه الاستدراجي الحكيم، والذي يعنينا هنا من أمر هذا الفطام الذي نعتناه بأنه مجتمعي هو مداه الطبي إذ أنه علاج حقيقي للسمامة الغولية مثلما يوصي به الطب الحديث للغوليين ومثلما تستعمله الآن مختلف المستشفيات النفسانية في كل أقطار العالم وذلك اجتنابا للآفات الخطيرة التي قد يتسبب فيها الفطام الداهم المفاجىء كالهذيان الإرتعاشي على سبيل المثال.
فكانت أول آية نزل بها الوحي بصدد الخمر هي قوله - تعالى -: " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ".
فبحكم هذه الآية لم تكن الخمر محرمة أول الأمر وبقيت على هذه الحال حتى كان اليوم الذي دخل فيه رجل في الصلاة وهو سكران فخلط في قراءته فهاج الناس فقال عمر " اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا " فنزل قوله - تعالى -: " يا أيها الزين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ".
فإذا نحن لاحظنا أن هناك ض صلوات موقوتة مفروضة عام المسلمين موزعة على خمسة أوقات في اليوم والليلة يتبين لنا مدى ما ينقصه مدمن الخمر من عادة إدمانه بما أنه مرغم على الامتناع عن تناول المشم وبات المسكرة فيما بين أوقات الصلاة حتى لا يصلي وهو سكران.
ثم نزل الوحي بآية ثانية تتضمن منعا غير صريح للخمر وهي قوله - تعالى -: (يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ".
نلاحظ أن هذه الآية كانت بداية منع المشروبات المسكرة، وعند نزولها قارنها عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - بالآية السابقة، ثم دعا الله أن ينزل في الخمر بيانا شافيا. فنزلت الآية التالية:
" يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجل من عمل الشيطان فاجتبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ".
وعندها قال عصر بن الخطاب " انتهينا يا رب.
2 - التحديد اللغوي:
زيادة في الإيضاح نرى لزاما عينا أن نحدد مفاهيم "الخمر " و " المشروبات المستغولة" و " المشروبات الغولية ومفهوم " الغولية " " ا لمخدرات ".
ا- الخمر:
أ- الدلالة الحسية:
حسب قول إمام من أئمة اللغة الشيخ أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة 395 هجرية، مؤلف (معجم مقاييس اللغة ": الخاء والميم والراء أصل واحد يدل على التغطية والمخالطة في ستر ... ويقولون: (دخل في خمار الناس خمرهم سئم) أي زحمتهم، (وفلان يدب لفلان الحمر) وذلك كناية عن الاغتيال، وأصله ما وارى الإنسان من شجر ... والخمار: خمار المرأة. وامرأة حسنة الخمرة: أي لبس الخمار ... والتخمير: التغطية. ويقال في القوم إذا تواروا في خمر الشجر: قد أخمروا ... يقال " استخمرت فلانا إذا استعبدته. وهو في حديث معاذ " من استخمرت قوما " أي استعبدهم". (انتهى كلام ابن فارس).
وقال الشيخ محمد مرتضى الزبيدي في معجمه تاج العروس من جواهر القاموس: " واختلف في وجه تسميته فقيل لأنها تخمر العقل وتستره وقال شيخنا (هو المروي عن سيدنا عمر - رضي الله عنه - ومال إليه الكثيرون واعتمده أكثر الأصوليين). قلت الذي روى عن سيدنا عمر - رضي الله عنه -: (الخمر ما خامر العقل) وهر في صحيح البخاري ... وفي المحكم: (المخامرة: المخالطة) وفي المصباح: (الخمر اسم لكل مسكر خامر العقل) (انتهى كلام الزبيدي).
¥