[جليس الأدب .. للشيخ الأديب محمد بو سلامة]
ـ[أم هالة]ــــــــ[22 - 06 - 08, 12:13 ص]ـ
جليس الأدب .. للشيخ العلامة الأديب محمد بوسلامة- حفظه الله-
ضمّني مجلسُ أدب في ليلة من ليالي السَّمَر إلى كواكبَ من أهل الأدب كأنّهم قطع من القمر، فلمّا اطمأنّ بنا المقام حَلّ كُلٌّ لَطِيمَتَه، وامتطى للأدب مطيّته، فسالت أودية الحديث بالكلام عن اللغة والأدب، فجَرَّنا ذلك إلى تناشد الأشعار بالفصيح والملحون وذكرِ أمثال العرب والأمثال الشعبيّة، فأخذ القلوبَ طرب لا يأخذ إلاّ أهل الأدب، ولمّا كانت الدارُ دارَ غربة - والغريب ذليل - غلبني تذكار المنازل والأوطان والحبيب، فطفقت أنشدهم من شعري وقد مُلئت شوقا:
حُيّيتِ مِنْ دَارٍ فَعزَّي واكْرُمِي ... وَعِمِي صَبَاحًا يَا جَزَائِرُ وَاسْلَمِي
َوسَقًى خَمَائِلَكِ الوِعَابَ رَوَاعِدٌ ... لاَ يَنْقضِي تَسْجَامُهَا وَلْتَنْعَمِي
دَارٌ بِهَا رَفلَ الصِّبى بِذُيُوِلهِ .... وَ بِهَا ارْتَوَى غُصْنُ الشَّبَابِ الأَكْرَمِ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ يَشُطَّ بِيَ النَّوَى .... عَنْ رَبْعِهَا فَكَأَنَّنِي لَمْ أَنْعَمِ
وَكَأَنَّنِي مَا جُلتُ فِي عَرَصَاتهَا ... وَلَم َ أَرْقَ فِي الأَجْيَالِ رِقْيَةَ أَعْصَمِ
هَلْ تَسْمَحُ الأَيَّامُ بَعْدُ بِأَوْبةٍ .... أَمْ هَلْ يَجُودُ الدَّهْرُ لي بِتَكَرُّمِ
فَأُعَلَّ مِنْ عَذْبِ الغَدِيرِ وَأَجْتَني ... منْ رَوْضِهَا ثَمرًا كَرِيمَ اْلمَطْعمِ
وَتَقَرَّعَيْنِي إِذْ تَشِيمُ بُرُوقهَا .... فِي لَيْلَةِ الأَدْجَانِ تَحْتَ مُخَيمِ
وَالْمُزْنُ تُسْبِلُ فَوْقَ كُلّ حَدِيْقَةٍ ... وَالغَيْثُ يَمْلأُ كُلَّ حَوْضٍ مُفْأَمِ
أَمْ هَلْ تُتَاحُ لِيَ الصَّلاَةُ بِمَسْجِدٍ .... لَمَعَتْ مَنَارَتهُ بِعَهْدٍ أَقدَمِ
وَأَزُورُ (قَاعَ السُّورِ) (1) ( http://www.rayatalislah.com/Lougha-wa-adab/articles/jaliss-el-adab.htm#_edn1) أَخْذِفُ مَوْجَهُ ... خَذْفَ التَّحِيَّةِ بَعْدَ شَوْقٍ مُؤْلمِ
وَأَحُلُّ أَنْجَادَ الدَِّيَارِ فَأَعْتَلِي .... (سُورَ السَّطَارَةِ) (2) ( http://www.rayatalislah.com/Lougha-wa-adab/articles/jaliss-el-adab.htm#_edn2) ثُمَّ (قَصْبَةَ) (2) ( http://www.rayatalislah.com/Lougha-wa-adab/articles/jaliss-el-adab.htm#_edn3) الاَكْرَمِ
ثمّ خنقتني العَبرة فسكَتُّ والقصيدة طويلة ولم يزل الحديث طويل يُغْوِرُ بنا وينجد حتّى بلغ بنا إلى سوء حال اللغة العربية بين أهلها في كثير من الأقطار العربية فقال قائل منهم: «وبسوء حالها ساء حال الأديب فيهم فلم يقيموا له وزنا» فأنشدتُهم مسلّيا لهم قول رئيس الأدباء وسيّد الترسّل والإنشاد مؤيّد الدين الطغرائي:
لاَ تَيْأَسَنَّ إِذَا مَا كُنتَ ذَا أَدَبٍ ... عَلَى خُمُولِكَ أَنْ تَرْقَى إِِِلَى الفَلكِ
بَيْنَا يُرَى الذَّهَبُ الإِبْرِيزُ مَطَّرِحا ... فِي مَعْدَنٍ إِذْ غَدَا تَاَجا عَلَى المَلكِ
ثمّ ثنيت الحديث لئلاّ يفسد علينا الأسى ما كنّا فيه، فرجعنا إلى حيث كنّا، فأجرينا الكلام في طرائف أهل الأدب؛ وهنا أروي لك قصّة أدب جرت بين أديبين جزائريّين مضى عليها أكثرُ من ستّين عاما، وذلك أنّه تواعد الأديب العبقريّ الأستاذ حمزة بوكوشة والشاعر الكبير محمّد العيد بمقهى من المقاهي الشعبيّة، وكان يوم الموعد يوم مطر، فتأخّر لذلك الأستاذ محمّد العيد عن الموعد إلى أن يئس صديقه الأديب من قدومه، فأخذ قلمه وأنشأ أبياتا في معاتبته فقال:
مَا كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ الْخُلْفَ شِيمَتُكُمْ ... حَتَّى يُؤَخِّرَكُمْ عَنْ وَعْدِكُمْ مَطَرُ
إِنْ لَمْ تَجِيئُوا بأَعْذَارٍ مُسَلَّمَةٍ .... أَقُلْ - بِرُغْمِ الإِخَا- هَلْ مَسَّكُمْ بَطَرُ
وعند إتمامه للبيت الثاني أقبل الأستاذ فوجده يتمّ المكتوب فقرأ البيتين, فكتب
تحتهما ارتجالاً:
مَا مَسَّنِي بَطَرٌ بَلْ مَسّنِي مَطَرُ ... لَكِنَّنِي رُغْمَ هَذَا جِئْتُ أَعْتَذِرُ
هَيْهَاتَ أَتْرُكُ أَحْبَابِي وَأَهْجُرُهُمْ ... لاَ زُهْدَ لِي فِي أَحِبَّائِي وَإِنْ هَجَروا
بهذه المساجلة الأدبّية الجميلة ختم مجلس الأدب فطاب بنفحها ختام السمر وطاب لنا سائر الليل.
لعلّك أيّها القارئ اللبيب قد وددت لو أظلّتك ظلال ذلك المجلس لتجد فيه ما وجدها أهل الأدب فتشهد ما غاب عنك وتسمع ما لم يكتب هاهنا وليس ذلك عليك بعسير إنّما هي جلسة منك إلى هذا المنبر فإذا أنت من الجلساء بل من الأدباء.
< HR align=right width="50%" SIZE=1>(1) (http://www.rayatalislah.com/Lougha-wa-adab/articles/jaliss-el-adab.htm#_ednref1) شاطئ من شواطئ العاصمة.
(2) ( http://www.rayatalislah.com/Lougha-wa-adab/articles/jaliss-el-adab.htm#_ednref2) حيّان قديمان من أحياء الجزائر العاصمة.
ـ[بلال خنفر]ــــــــ[22 - 06 - 08, 12:23 ص]ـ
إن من البيان لسحرا