وطاعةً، وخضوعاً وذُلَّهُ قال صلى الله عليه وسلم: (وَلا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّىْ أُحِبُّهُ).
كلما اقْتَرَبَ مِنْ رَبِّهِ اقْتَرَبَ اللهُ مِنْهُ، (وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرْبتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً).
فَهُوَ لا يَزالُ رابحاً مِنْ رَبِّهِ أفْضَلُ مِمَّا قَدَمَ، يَعِيشُ حَيَاةً لا تُشْبِهُ مَا النَّاسُ فِيْهِ مِنْ أنْوَاعِ الحَيَاةِ. قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) (البقرة:152).
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ذَكَرَنِيْ فِيْ نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِيْ نَفْسِيْ، ومَنْ ذَكَرَنِيْ فِيْ مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِيْ مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ).
أصحابُ القُلوبِ الحَيَّةِ صَائِمُونَ قَائِمُونَ، خَاشِعُونَ قَانِتُونَ، شَاكرُونَ على النَّعْمَاءِ، صابرون في البأساءِ، لا تَنْبَعِثُ جَوَارِحُهُم إلا بِمُوَافَقَةِ مَا فِيْ قُلُوبِهِمْ تَجَرَدُوْا مِنَ الأَثَرَةِ، والغِشِّ والهَوَىْ، اجْتَمَعَ لَهُمْ حُسْنُ المَعرِفَةِ مَعَ صِدْقِ الأَدَبِ، وسخاءُ النَّفْسِ مَعَ مَظَانَّةِ العَقْلِ، هم البَرِيئَةُ أيديْهم، الطَّاهِرَةُ صدُورُهم، مُتَحابُّون بِجَلالِ اللهِ، يَغضبُون لحُرُمَاتِ اللهِ، أمناءُ إذا ائتُمِنُوا، عادلون إذا حَكَمُوا، مُنْجِزُون مَا وَعَدُوا، مُوْفُونَ إذا عَاهَدُوا، جَادون إذا عَزَمُوا، يَهُشُونَ لمَصَالحِ الخَلْقِ ويَضِيقُون بآلامِهم، في سَلامٍة مِنَ الغِلِّ، وحُسْنِ ظَنٍّ بِالخَلْقِ، وحملِ النَّاسِ على أحسنِ المَحامِلِ، كسروا حُظوظَ النَّفْسِ، وقَطَعُوا الأطماعَ فِيْ أهلِ الدُّنْيَا، جاء في صحيحِ مُسْلمٍ مِنْ حديثِ أبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ أقْوَامٌ أفْئِدَتُهُم مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ).
فَهِيَ سَلِيمَةٌ نَقِيَةٌ، خَالِيةٌ مِنَ الذَّنْبِ، سالمةٌ من العيبِ، يَحرصون على النُّصْحِ والإخْلاصِ، والمُتابعةِ والإحسانِ، همَّتُهم في تَصْحِيحِ العَمَلِ أكبرُ مِنْهَا فيْ كَثْرَةِ العَمَلِ، قال تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2).
أوقفَهم القرآنُ فوَقَفُوا، واسْتَبانَتْ لهم السُنَّةُ فالتَزَمُوا، قال تعالى: (يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهِمْ راجِعُونَ) [المؤمنون:60].
رجالٌ مُؤمنون، ونساءٌ مُؤمِنَاتٌ بَواطنُهُمْ كَظَوَاهِرِهم، بل أجلى، وسرائرُهم كعلانيتِهم بل أحلى، وهمتُهم عند الثُّرَيَا بل أعلى، إنْ عُرفوا تنكَّروا، تُحِبُّهُم بِقاعُ الأرض، وتَفرحُ بهم مَلائِكَةُ السَّماءِ، هذهِ حياةُ القُلُوبِ، وهذه بَعْضُ آثارِها.
أما القلوبُ المريضةُ فلا تتأثرُ بِمَواعِظَ، ولا تَسْتَفِزُها النُّذُرُ، ولا تُوقِظُها العِبَرُ، أينَ الحَياةُ في قُلوبٍ عَرفَتِ اللهَ ولم تُؤَدِ حَقَّهُ؟؟، قَرَأتْ كِتَابَ اللهِ ولم تَعملْ بِهِ، زَعَمتْ حُبَّ رَسُولِ اللهِ وتَرَكَتْ سُنَّتَهُ، يُريدون الجَنَّةَ ولم يَعْمَلُوا لَها، ويَخَافُون مِنَ النَّارِ ولم يَتَّقُوهَا، رُبَّ امرئٍ من هؤلاءِ أطلق بَصَرَهُ فِيْ حَرَامْ فحُرم البَصِيْرَةُ، ورُبَّ مُطْلِقٍ لِسَانَهُ في غَيبةٍ فَحُرِمَ نُوْرُ القَلْبِ.
.. ورُبَّ طاعمٍ من الحرامِ أظلمَ فؤادُهُ، لماذا يُحرم مُحرومون قيامَ الليلِ؟ ولماذا لا يَجِدُونَ لَذَّةَ المُناجَاةِ؟ إنّهم باردو الأنفاسِ، غَليْظُو القُلوبِ، ظاهرو الجفوة؟؟.
القلبُ الميتُ: الهَوى إِمَامُه،، والشهوةُ قائِدُهُ، والغَفْلَةُ مَرْكَبُهُ لا يَسْتَجِيْبُ لنَاصِحٍ، يتَّبعُ كُلَّ شيطانٍ مَريدٍ، الدنيا تُسخطُه وتُرْضِيْهِ، والهَوَىْ يَصمُّهُ ويَعْميْه، ماتت قلوبُهم، ثم قُبِرَتْ في أجسادِهم، فما أبدانُهم إلا قبورَ قُلُوبِهم، قُلُوبٌ خَرِبَةٌ، لا تُؤلِمُها جراحاتُ المَعَاصِي، ولا يُوجِعُها جَهلُ الحَقِّ، لا تَزَالُ تَتَشَرَّبُ كُلَّ فِتْنَةٍ، حتى تسود وتنتكس، ومن ثَمَّ لا تَعْرِفُ مَعروفاً، ولا تُنْكِرُ منكراً.
¥