يا أيها المُحِبُّ: إنَّ غَفْلَةِ القُلُوبِ عُقوبةٌ، والمَعصيةُ بعد المَعصِيَةِ عُقوبةٌ، والغافلُ لا يُحِسُّ بالعُقوباتِ المُتَتاليةِ، ولكنْ ما الحيلةُ؟!! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
يقولُ بعضُ الصالحين: (يا عجباً من الناسِ يَبكُون على مَنْ ماتَ جَسَدُهُ، ولا يَبْكُون على مَنْ ماتَ قلبُهُ، شتان بين مَنْ طَغَى وآثرَ الحَياةَ الدُّنْيَا، وبينَ مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ، ونَهى النَّفسَ عن الهَوى، تَمْرِضُ القُلُوبُ وتَمُوتُ إذا انْحَرَفَتْ عَنِ الحَقِّ، وقارفت الحرامَ قال تعالى: (فَلَمَّا أزاغوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم) [الصف:5].
تمرضُ القلوبُ وتموتُ إذا افتُتنت بآلاتِ اللهوِ وخليعِ الصُوَرِ؛ (نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة:67].
كلُ الذُّنوبِ تُميتُ القُلوبَ، وتورث أذلة، وضيق الصدر ومحاربة الله ورسوله ....
يقولُ الحسنُ - رَحِمَهُ اللهُ -: ابنَ آدم هل لك بمحاربةِ اللهِ مِنْ طَاقَةٍ ٍ؟!! فإنَّ مَنْ عَصَى اللهَ فَقَدْ حَارَبَهُ، وكلما كان الذَّنبُ أقبحَ كان في محاربةِ اللهِ أشدَّ، ولهذا سَمَّى اللهُ أكلةَ الرِبَّا، وقُطاعَ الطَّرِيقِ مُحَارِبين للهِ ورَسُولِهِ، لعَظَمِ ظُلمِهم، وسَعيِهم بالفَسادِ في أرضِ اللهِ، قال: وكذلك معاداةُ أوليائِهِ، فإنَّهُ تَعالى يَتَولَى نُصرَةَ أوليائِهِ، ويُحبُّهم ويؤيدُهم، فَمَنْ عَادَاهُم فقدْ عَادَىْ اللهَ وحَارَبَهُ.
مظاهرُ حياةِ القَلبِ وصِحَتِهِ:هناك علاماتٌ تدلُ على مدى الحياةِ في القلبِ، وهذه العلاماتُ مُستقَاةٌ، ومُسْتَخْلَصَةٌ من النصوصِ القُرآنيةِ، التي سِيقَتْ في مَعرَضِ بَيانِ قُلوبِ المُؤْمِنِينَ، فمِن تلك المظاهرِ حُسنُ الانتفاعِ بالعِظةِ، والاستبصارِ بالعِبرةِ، والظُفْرِ بالثَّمَرَةِ، فإنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ هو ثَمَرَةُ العلمِ النَّافعِ، ومِن تلك العلاماتِ أو المظاهرِ وَجلُ القَلبِ مِن اللهِ وشِدَّةُ الخَوفِ مِنْهُ: قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال: 2).
وقال تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الحج: 34، 35).
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون: 60).
ومنها القشعريرةُ في البدنِ عند سماعِ القُرانِ، ولينُ الجُلودِ، والقُلوبِ إليه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23).
ومنها خُشُوعُ القَلْبِ لِذَكْرِ اللهِ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) (الحديد: 16).
ومنها الإذعانُ للحَقِّ والخُضوعُ لَهُ: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) (الحج: 54).
ومنها كثرةُ الإنابَةِ إلى اللهِ: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} (33) سورة ق.
ومنها الأنسُ بذكرِ اللهِ خِلافَ الذين يَشمئزون مِنهُ: ((وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ)) (الزمر: 45).
ومنها تعظيمُ شَعائرِ اللهِ: ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)) (الحج: 32).
ومنها التضرعُ إلى اللهِ، والفزعُ إليه وقتَ الشِّدَّةِ: (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43).
¥