تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كيف تحفظ درسا!]

ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[04 - 07 - 07, 07:30 م]ـ

محمد ولد أحمد جدو الشنقيطي

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد ...

فإن من ميزات هذه الأمة التي تميزت بها عن سائر الأمم – إن لم نقل من خصائصها – ميزة الحفظ والاستظهار، فكتاب هذه الأمة لم ينْزل كما كانت تنْزل الكتب السابقة مكتوباً جملة، بل نزل منجماً متلواً في ثلاث وعشرين سنة.

ولحرص النبي –صلى الله عليه وسلم- على أن لا يضيع منه الوحي كان يحرك به لسانه عند نزوله، حتى أنزل الله عليه: "لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ"، وتعهد الله له بأنه لن ينسى منه إلا ما أراد الله له أن ينساه لكونه نسخ "سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى. إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ"، ومع ذلك فقد كان يدارسه جبريل القرآن كل سنة، ويعرضه عليه، وفي الحديث القدسي أن الله تعالى قال له: « ... وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان» (1). وفي صفة هذه الأمة في كتب أهل الكتاب: ( .. أناجيلهم في صدورهم) (2).

وقد كان السلف لا يعتبرون الرجل من طلاب العلم ما لم يكن يحفظ ويستظهر، قال عبد الرزاق: (كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فليس بعلم) (3)، وأنشد:

ليس بعلم ما حوى القمطر ... ما العلم إلا ما حواه الصدر (4)

وقال هشيم بن بشير: (من لم يحفظ الحديث فليس هو من أهل الحديث، يجيء أحدهم بكتاب يحمله كأنه سجل مكاتب) (5)، ولمنصور الفقيه:

علمي معي حيث ما يممت يتبعني ... بطني وعاء له لا جوف صندوق

إن كنت في البيت كان العلم فيه معي ... وإن كنت في السوق كان العلم في السوق (6)

والآثار عن السلف في الحث على الحفظ والتحذير من الاعتماد على الكتب والتدوين في الدفاتر يطول ذكرها، ومن ذلك قول محمد بن يسير الأزدي:

إذا لم تكن واعياً حافظاً ... فجمعك للكتب لا ينفع

أشاهد بالعي في مجلس ... وعلمي في البيت مستودع (7)

وإذا أردت أيها الطالب أن تحفظ حفظاً متقناً يبقى معك لفترة طويلة فاتبع الضوابط التالية:

1. اجعل الدرس صفحة من القرآن أو ما يوازيها من غيره إن كان نصاً نثرياً، أو عشرة أبيات على الأقل إن كان نظماً، ولا ينقص درسك عن ذلك، فإن الذي يقلل الدرس جداً يسهل عليه أن يسمعه بعد مراجعته مرات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهو يظن أنه قد حفظه، ولكن الواقع خلاف ذلك، وأضرب لك مثلاً: إنسان أمرته بحفظ قصيدة معينة فقال لك أسمعها لك بيتين بيتين إن قبلت له ذلك سوف يسمع لك قصيدة من مائة بيت في نصف ساعة، لأن حفظ بيتين لا يحتاج النظر فيهم أكثر من مرة أو مرتين، أفترى أن مثل هذا حفظ هذه القصيدة؟ إن أردت الوقوف على الحقيقة فمره بعد فترة وجيزة بتسميع بيتين فقط من هذه القصيدة فلن يستطيع ذلك في الغالب، أحرى أن يسمعها كاملة، ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا الطالب الصغير الذي لا يزال مبتدئاً فلك أن تعطيه آية مثلاً أو آيتين حتى يتدرب على القراءة.

2. راجع هذا الدرس من أوله إلى آخره دفعه واحدة ولا تجزئه تجزيئاً وليكن لك ورد معين في قراءة الدرس كأن تقرأه عشرين مرة في الجلسة الأولى مثلاً وعشرين في الثانية وهكذا.

3. اجعل قراءتك لدرسك نظراً، ولا تجعل منها شيئاً غيباً.

4. اجعل قراءتك بصوت مرتفع فإنه أسرع للحفظ، قال الزرنوجي رحمه الله: (وينبغي أن لا يعتاد المخافتة في التكرار؛ لأن الدرس والتكرار ينبغي أن يكونا بقوة ونشاط، ولا يجهر جهراً يجهد نفسه كي لا ينقطع عن التكرار، فخير الأمور أوساطها).

وقال العسكري: حكي لي عن أبي حامد أنه كان يقول لأصحابه: إذا درستم فارفعوا أصواتكم فإنه أثبت للحفظ وأذهب للنوم، وكان يقول: القراءة الخفية للفهم، والرفيعة للحفظ والفهم.

5. لا تحاول أن تغتصب الحفظ اغتصاباً بل اجعل مراجعتك لدرسك في أوقات متفرقة، فمن كان مثلاً يحفظ الدرس من ستين مرة فليراجعه في اليوم الأول عشرين، والثاني عشرين، والثالث عشرين، وهكذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير