النبي عليه الصلاة والسلام كان يتكلم فأتاه رجل فسأله: متى الساعة؟ فلم يجبه عليه الصلاة والسلام وأكمل حديثه، ثم سأله: متى الساعة؟ وأكمل حديثه ثم قال: متى الساعة، فأجابه النبي r عن السؤال ?يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا? [النازعات:42 - 43] ما يعلمها عليه الصلاة والسلام ?لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ? [الأعراف:187] جلّ وعلا، فلما ألحّ في المسألة كره النبي r ذلك منه وقال «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، هذا الجواب غير السؤال –صحيح؟ - لأنّ السؤال كان بـ (متى) عن الزمن النبي r أجابه بقوله «إذا وسد» بعلامة من العلامات، وأشراط الساعة معلومة.
كذلك في قول الله جلّ وعلا لما سأل النبيَّ عليه الصلاة والسلام الناسُ عن الأهلّة كان الجواب ?قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ? [البقرة:189]، الصحابة –يعني بعضهم- سألوا وقالوا لمَ يبدأ الهلال في أوّل الشهر رفيعا ثم يكبر ثم يكبر حتى يستتم؟ يعني هل هم يفهمون وضع الأرض ووضع القمر لو فصل لهم إلى آخره لو فصل لهم؟ لن يفهموا ذلك، سألوا سؤالا لا تستوعب الجواب عليه عقولُهم فكان الجواب (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) أجيبوا بشيء غير السؤال بما ينفعهم؛ وهو أنّ الأهلّة هذه مواقيت، لم يبدو كذا ثم يكون كذا، هذا عُدل عن الجواب عنه وفي هذا أصل شرعي في أنّ العالم قد يعدل عن الجواب إلى شيء آخر، ويأتي بعض الناس ويقول هذا هروب من الجواب، الشيخ ما أجاب هرب من الجواب، ليس هروبا من الجواب لأنّه لا يريد أن يجيب لخوفه من الجواب ونحو ذلك، لا، العالم مربي يربي الناس ويجيب بالأصلح لهم لما يرعى فيه المصلحة ويدرأ المفسدة.
هذه بعض ما يتعلق بالآداب التي ينبغي مراعاتها حين السؤال.
وأسأل الله جلّ وعلا أن ينفعني وإيّاكم بما سمعنا وأن يجعلنا من المتأدبين الذين يريدون وجه الله والدّار الآخرة، وأسأله جلّ وعلا أن ينفعنا بعلمائنا، وأن يجعلنا من المتعاونين معهم على البرّ والتقوى والمتأدبين معهم والذّابين عنهم قول أهل السوء، وأسأله سبحانه لي ولكم العفو العافية والمعافاة الدائمة في الدّنيا والآخرة، وأن يختم علينا هذا الشهر الكريم بقبول وغفران، وألاّ يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحب ويرضى، هذا وصلى الله وسلم وبارك على من علمنا الخير وأدبنا أحسن تأديب نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأشكر لكم حسن هذا الاستماع وحسن الإقبال، وأسأله سبحانه أن يجعلنا جميعا ممن غفر له أول ذنبه وآخر ذنبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
الأسئلة:
1 - كيف،وفق بين النهي عن كثرة السؤال وبين قول ابن عباس: أوتيته –عن العلم- بلسان سَؤول وقلب عقول؟ وأحسن الله إليكم.
الحمد لله، ذكرنا أن الأحوال ثلاثة: حال الممتنع عن السؤال، وحال من يفرع المسائل التي لم تقع، وحال من يسأل عن علم الكتاب والسنة.
ابن عباس في أسئلته كان يسأل عن علم الكتاب والسنة عن معاني النصوص، وقول النبي عليه الصلاة والسلام «فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» هذا حمل على وجهين:
الأول أن يكون هذا النهي عن كثرة المسائل في حال تنزل القرآن، كما قال جل وعلا ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ? [المائدة:101]، فحين يُنزّل القرآن لا تسل، [وُجه] الصحابة بهذا التعليل، وكثرة المسائل حين ينزل القرآن هذه غير جيدة بل منهي عنها؛ لأنه ربما سيأتي الحكم في فترة من التشريع لاحقة، فيكون كثرة السؤال استعجال للأحكام ولو أبديت لأساءتهم، ابن عباس رضي الله عنهما أوتي العلم بكثرة السؤال؛ لكن سؤال عن معاني النصوص سؤال عن السنة عن الحديث وليس سؤالا وليس سؤالا عن المسائل التي لم تقع أو تشقيق للمسائل، لهذا ذكرنا لكم أن الأحوال ثلاثة:
حال من لم يسأل مطلقا وهذا مذموم.
وحال من شقق المسائل كصنيع أهل الرأي وهذا جاء نهي السلف عنه.
وحال من سأل عن فقه الكتاب والسنة وهذا هو المحمود وهو صنيع الصحابة وصنيع أهل العلم بعدهم.
¥