دمشق, ولما أعلمه رجاله بذلك أمر بعزل الشيخ عن خطبة الجمعة زاعتقاله مع صاحبه الشيخ ابن الحاجب المالكي لاشتراكه معه في هذا الانكار.
وكان أنصار الشيخ قد أشاروا عليه بأن يغادر البلاد وينجو بنفسه من يد السلطان وأعدوا له وسائل الهرب, ولكنّه أبى ذلك, وألحّوا عليه, فأصر على الاباء, فعرضوا عليه أن يختبىء في مكان أمين لا يهتدي اليه السلطان ورجاله, فرفض هذا الغرض أيضا وقال:" والله لا أهرب ولا أختبىء وانما نحن في بداية الجهاد ولم نعمل شيئا بعد, وقد وطنت نفسي على احتمال ما ألقى في هذا السبيل, والله لا يضيع عمل الصابرين".ثم لما قدم اسماعيل الى دمشق أفرج عنهما بعد الاعتقال, ولكن العز بن عبد السلام أمر بملازمة داره وأن لا يفتي ولا يجتمع بأحد البتة, فاستأذنه في صلاة الجمعة مؤتما بامامها وأن يعيد اليه طبيب أو مزين اذا احتاج اليهما وأن يدخل الحمام فأذن له في ذلك, ومرّت الأيام والشيخ في اقامته الجبرية وقد منع من الافتاء والاتصال بأحد من اخوانه أو طلابه, وتعطلت هوايته المفضلة وواجبه المقدّس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فطلب الهجرة من دمشق قاصدا مصر. وأفرج عنه بعد محاورات ومراجعات فأقام بدمشق ثم انتزع منها الى بيت المقدس. فوافاه الملك الناصر داود في الفور فقطع عليه الطريق وأخذه وأقام بنابلس مدة وجدت لهمعه خطوب, ثم انتقل الى بيت المقدس حيث أقام مدة, ثم جاء الصالح اسماعيل والملك المنصور صاحب حمص وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم الى بيت المقدس يقصدون الديار المصرية, فسير الصالح اسماعيل بعض خواصه الى الشيخ بمنديله, وقال له: تدفع منديلي الى الشيخ وتلطف له غاية التلطف وتستنزله وتعده بالعودة الى مناصبه على أحسن حال, فان وافقك فتدخل به عليّ, وان خالفك فاعتقله في خيمة الى جانب خيمتي. فلما اجتمع الرسول بالشيخ, شرع في مسايسته وملاينته.
ثم قال له: بينك وبين أن تعود الى مناصبك وما كنت عليه زيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير.
فقال الشيخ: والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي فضلا عن أقبّل يده, يا قوم أنت في واد وأنا في واد الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به.
فقال الرسول: يا شيخ قد رسم لي أن توافق على ما يطلب والا اعتقلتك.
فقال الشيخ: افعلوا ما بدا لكم. فأخذه واعتقله في خيمة الى جانب خيمة السلطان وكان الشيخ يقرأ القرآن في معتقله والسلطان يسمعه.
فقال يوما لملوك الفرنج: تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن؟.
فقالوا: نعم.
قال: هذا أكبر قسوس المسلمين, وقد حبسته لانكاره علي تسليمي لكم حصون المسلمين وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه ثم أخرجته فجاء الى القدس وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم!!.
فقالت له ملوك الفرنج: "لو كان هذا قسيسنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها".
(واسلاماه لأحمد باكثير 100, وانظر الطبقات للسبكي).
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[20 - 08 - 09, 11:45 ص]ـ
بين النووي والظاهر بيبرس
لما خرج الظاهر بيبرس الى قتال التتار بالشام, أخذ فتاوى العلماء بجواز أخذ مال من الرعيّة يستنصر به على قتالهم, فكتب له فقهاء الشام بذلك فأجازوه.
فقال: هل بقي أحد؟.
فقيل له: نعم بقي الشيخ محيى الدين النووي.
فطلبه فحضر.
فقال له: اكتب خطابك مع الفقهاء, فامتنع.
فقال: ما سبب امتناعك؟.
فقال: أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير (بندقار) وليس لك مال, ثم منّ الله عليك وجعلك ملكا وسمعت عندك ألف مملوك, كل مملوك له حياصة من ذهب, وعندك مئتا جارية لكل جارية حق من الحليّ, فاذا أنفقت ذلك كله وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلا من الحوائص وبقيت الجواري بثيابهن دون الحليّ, أفتيتك بأخذ المال من الرعية. فغضب الظاهر من كلامه.
وقال: أخرج من بلدي _ يعني دمشق.
فقال: السمع والطاعة, وخرج الى نوى.
فقال الفقهاء: ان هذا من كبار علمائنا وصلحائنا وممن يقتدى به, فأعده الى دمشق.
فرسم برجوعه, فامتنع الشيخ.
وقال: لا أدخلها والظاهر فيها, فمات بعد شهر.
(من أخلاق العلماء الجزء التاسع).
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[20 - 08 - 09, 11:46 ص]ـ
بين ابن تيمية وغازان
¥