تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا، لا عذر لي، فما العمل؟

ذهبتُ للمسجد، وصليت العشاء، وبعد فراغ الناس وانصرافهم، شاغلت المؤذِّن قبل إغلاقه للباب الخلفي، ودخلت وبِتُّ في المسجد، فوجئ بي عند أذان الفجر، كيف دخلت؟! وزجرني عن فعل ذلك ثانية.

قلت: سأبيت، لا حل لمشكلتي سوى ذلك، رفض رفضًا صارمًا.

جاء اليوم التالي، أخرَجَ الجميع، وكان حريصًا على إخراجي، قلت له: سأبيت عند باب المسجد من الخارج، وبالفعل لما اكتسى الليل بالسواد، وخلَتِ الشوارع من المارة، أخذتُ وسادتي وغطائي، وذهبت للباب الخلفي وبِت عنده.

أيقظني المؤذن وقال: فعلتَها؟ قلت: نعم، إن لم تسمح لي بالنوم في الداخل، سأنام في الخارج، واستمرَّ الحالُ ثلاثة أيام، حتى شعر بصدق حالي، فأعطاني نسخةً من مفتاح المسجد، وسمح لي بالمبيت داخله، لم تفُتْني تكبيرةُ الإحرام خلال خمس سنوات، بحمد الله.

هل انتهى الأمر؟ كلاَّ، ابتلاءٌ جديد (تزوَّجتُ).

قلت لزوجتي: نومي ثقيل، فعليكِ الاعتمادُ بعد الله - عز وجل - في إيقاظي لصلاة الفجر.

قالت: لا تعتمد عليَّ؛ فإني أستيقظ أحيانًا، وأحيانًا أخرى لا أستيفظ، فالحال بعضه من بعض.

قلت لها: فما العمل؟ فأنا لا أستطيع الآن المبيت في المسجد.

قالت: لا أدري.

حزنتُ حزنًا شديدًا، ما العمل؟ تذكرتُ قولهم: "إنك معذور؛ فمثلك قد ابتلاه الله بمثل هذا النوم العميق، وأنت حالة نادرة لا علاج لها".

قلت: كلاَّ، يا زوجتي، يا حبيبتي، أمامك خياران؛ فأنت لستِ أغلى عليَّ من ديني:

أ- أن أطلِّقك وأعودُ للمبيت إلى المسجد.

ب- أن نتقاسم الليل؛ تسهرين إلى منتصف الليل وأنامه، ثم توقظينني وتنامين، فإن أذَّن الفجر أيقظتك وصلينا، ثم نمنا جميعًا.

والحمد لله، كسبتُ أنا وزوجتي كلَّ يوم قيامَ الليل في الثلث الأخير، ولم تَفُتْنا صلاةُ فجر أبدًا، وكنا قدوةً حسنة لأبنائنا، وأسأله - سبحانه وتعالى - أن يدخلنا الجنة من باب الصلاة.

ـ[الطيماوي]ــــــــ[27 - 07 - 09, 08:39 م]ـ

ما أجمل ما ذَكَرَهُ الشيخ الذي جاءنا واعظًا في مسجدنا عن الصدقة وأَجْرها وعظَمِها! ولكن كيف السبيل لذلك ووالدي - للأسف - عاطِل عنِ العمل؟ وبالكاد من خلال المساعدات التي تأتي لنا يستطيع أن يعطيَني مصروف مواصلات الطريق إلى الجامعة، والبالغة ستة "شواكل"، فكَّرْت ثم فكرت، وكانتْ هداية الله، فبَيْتُنا يبعد عن الجامعة بمقدار مُواصلتَيْن ذهابًا، ومثلهما رجوعًا، المواصَلة الأولى أقْصَر من الثانية بمقدار النِّصف، وهنا كانت بداية المشوار، سأمشي المواصَلة الأولى، وسأركب الثانية، وسأفعل مثل ذلك في طريق العودة سأركب الأولى، وأمشي الثانية.

لكن ذلك يستلْزِم مني الاستيقاظ مبكِّرًا؛ لأنَّ المواصَلة الأولى تحتاج إلى نصف ساعة مشيًا، والمواصَلة الثانية تحتاج إلى ربع ساعة بسيارة الأجرة، ومحاضراتي في الثامنة صباحًا؛ يعني ذلك أنه لا بد أن أخرج في تمام السابعة صباحًا؛ حتى لا أصل متأخرًا، وهذا يعني أنِّي يجب أن أستيقظ في تمام السادسة؛ حتى أستطيع دُخُول الخلاء، وتبديل الملابس والإفطار.

وهذا يستلزم عدم النوم بعد الفَجْر؛ يعني النوم المبكر بعد العشاء مباشرة، بالفعل ألْغَيْت جميع التزاماتي بعد صلاة العشاء، وأصبحتُ أنام مبكرًا لأستيقظ مبكرًا، وأبدأ رحلة المشي في تمام الساعة السابعة، مستَغِلاًّ هذه الفترة في ذِكْر الأذكار الصباحيَّة، ولا أستطيع أنْ أصِفَ لكم تلك الأيام البارِدة المطيرة التي مرَّتْ بي، أو تلك الدقائق التي عانَيْتُ فيها من العَرَق ما عانَيْت من شدة حر الصيف، لكن الله أعان على ذلك كله.

وكان مجموعُ ما أستطيع توفيره ثلاثة "شواكل" يوميًّا، (تقريبًا نصف دينار أردني)، وما زلْتُ أجْمَع توفير اليوم إلى اليوم، والأُسْبوع إلى الأسبوع، والشهْر إلى الشهر، والفصْل إلى الفصل، حتى تجمَّع لي في الفصْل الدراسي الواحد مبلغ 80 دينارًا أردنيًّا، وهنا سألَني أحدُ أصدقائي: هل ستَتَصَدَّق بها، وتُحَقِّق حلمك؟ قلتُ: كلا! (وهنا رأيتُ علامات الغرابة على وجْهه!)، هل ستضن بالمال على ربك؟! قلتُ: كلاَّ، ولكن هذا المال عانَيْتُ فيه ما عانيت، ولن أُفَرِّط فيه هكذا، بل سأجتهد في إعطائِه لأكثر الناس استحقاقًا له؛ حتى يكونَ الأجرُ أعظم - إن شاء الله.

وبعد فترة لاحظْتُ أمرًا عجبًا، أحد زُملائي من المتميِّزين في دراستهم يحضر معنا كل يوم المحاضرات، لكن عند الامتحانات النِّهائيَّة يَتَغَيَّب عن حُضُور بعضها، وهنا كان سؤالي له: تحضر طوال العام، وتغيب يوم الامتحان؟!

وكانت الصدْمة، بكى ثم قال لي: وضعُنا المالي صعبٌ جدًّا، ووالدي لا يستطيع أن يُدَبِّرَ أمر رسومي الجامعية؛ ولذلك أقوم بتسجيل المواد على أَمَل أن يُيَسِّرَ الله أمورَنا، فإنْ تَيَسَّرتْ دفعْتُ وتقدَّمْتُ للامتحان، وإلاَّ كان الحال على ما رأيت، أبكتْني كلماتُه، وقلتُ: أنت أحقُّ الناس بها لكنَّها ليستْ بصدقة، وإنما هي دَيْن طويل الأَجَل، متى يَسَّرَ الله لك أمر التخرُّج والعمل، ورزقتَ بالمال، سدِّدْها لي، اتَّفَقْنا؟ قال: نعم، قلتُ: الله على ما نقول شهيدٌ.

وبحمد الله كررتُ الأمر في كلِّ فصل دراسي مع آخر وآخر من زملائي في كرسي الدراسة الجامعية، ممَّن ضاقَتْ أحوالهم الاقتصادية بسبب الحصار الخانق على أهلِنا في قطاع غزة، وأصبح لي اليوم - بحمد الله - 640 دينارًا صدقة وقفية، رجع منها 200 دينار، قمْتُ مُباشرة بإعادة إقراضها لآخرين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير