ـ[الطيماوي]ــــــــ[06 - 03 - 10, 10:29 ص]ـ
ا فندم، وصلتنا شكوى وطلب غريب من أحد المواطنين!
كيف هذا؟ أين هذه الشكوى؟
تفضل اقرأ هذه الورقة.
فأمسك رئيس المدينة الشكوى وبدأ يقرأ ما بها، الوجوم يبدو على وجهه، إلى أن انتهى من قراءتها، نظر لمدير مكتبه: سبحان الله!
الناس تبحث عن مكان لتسكن فيه وهذا الرجل يطلب أن يتملَّك قبرًا يُدفن فيه!
فعلاً يا فندم شيء غريب جدًّا! فأنا أعمل في مجلس المدينة منذ أكثر من عشرين عامًا، وأستقبل يوميًّا طلبات الناس وشكواهم، ولم يقابلني مثل هذا الطلب الغريب!
اذهب الآن بسيارة المجلس إلى عنوان هذا الرجل، بالتأكيد سوف تجده في بيته، وعندما تقابله أبلغه سلامي واطلب منه أن يحضر إلى مكتبي لكي أقابله، وأحضره معك بالسيارة، وإن لم يستطع القدوم معك اتركه وأنا سأذهب إليه.
إن شاء الله، لن أتأخر.
مرَّت ساعة ونصف، فوجد رئيس المدينة مدير مكتبه يقف أمامه وبصحبته رجل عجوز، فقام منتفضًا من على كرسيِّه: أهلاً وسهلاً عمّ زكريا، صاحب أغرب طلب قابلني في حياتي، فسلَّم عليه وأجلسه، وجلس أمامه: ما شاء الله لا يبدو عليك أنك تخطيت الثمانين.
الحمد لله يا فندم، عمري الآن اثنان وثمانون عامًا، وقد قدمت طلبًا لمجلس المدنية أطلب تخصيص قبر داخل مدافن المدنية؛ لأني لا أملك مدفنًا خاصًّا بي، فأنا كما ذكرت لسيادتكم في طلبي ليس لي أقارب من أهالي تلك المدينة، فجميع عائلتي يعيشون في مدينة تبعد عن هنا خمسمائة كيلو، وجميع أولادي كبروا وتزوَّجوا وسافروا إلى خارج مصر للعمل، وتركوني وحيدًا، فأخشى أن أموت في أيِّ وقت ولا يجد جيراني مكانًا يدفنوني فيه، ولا أريد أن أُدْفَن في مقابر أحدٍ منهم، يكفي أنهم سوف يدفنوني في تلك البلدة التي أحبها!
فعلاً، هذا هو الكلام الذي كتبته في طلبك، وأنا منذ أن قرأته وأنا متأثِّر بشدة بهذا الكلام، لي عندك سؤال يا عمّ زكريا: أين زوجتك؟!
توفَّاها الله منذ ثلاثين عامًا، وأنا أعيش وحيدًا الآن ولا أملك إلا معاشي التقاعدي، الذي يكفي بالكاد مصاريف الأكل والشرب والدواء.
سؤال آخر - ولن أثقل عليك -: لماذا طلبت هذا الأمر الآن وليس سابقًا؟!
فنظر إليه والدموع تغرغر في عينه: يا فندم، إني منذ عِدَّة سنوات وأنا أحاول أن أمتلك قبرًا، وبالتحديد بعد ما أُصِبت بأوَّل جلطة، ولكن للأسف لم أستطع؛ فكل عام تزيد أسعار الأراضي في المقابر لضيق المساحات وزيادة الطلب لزيادة الناس، وتزيد تكلفة بناء القبر الواحد، وقد حاولت شراء قبر جاهز، فوجدته غاليًا جدًّا، وإني أريد أن أمتلك قبرًا من الآن وأكتب عليه اسمي، وأخبر جيراني في السكن وأصدقائي في المنطقة والمسجد بمكانه، حتى إذا متُّ في أيِّة لحظة، غسَّلوني وكفَّنوني وصلوا عليِ ودفنوني فيه.
ثم استطرد عم زكريا:
ربنا يسترك يا فندم أعطني قبرًا وحقِّق طلبي؛ حتى أرتاح وأكون مطمئنًّا بأني سأجد مكانًا أدفن فيه، وحتى لا أدفن في مقابر الصدقة والإحسان!
كل ذلك ورئيس المدنية جالس ومدير مكتبه يقف بجواره، لا يستطيعَا التفوُّه بكلمة واحدة، وعلامات الحزن والأسى تبدو علي وجهيهما متأثِّرين بكلام هذا الرجل العجوز، فكلامه يخرج من قلبه، فهو أتى ليطلب قبرًا ولا يبتغي شيئًا من عَرَض الدنيا! ثم وقف رئيس المدنية وهو يحاول أن يبتسم في وجه الرجل: إن شاء الله يا عم زكريا أسبوع - على أقصى تقدير - وسوف يتحقق طلبك بامتلاكك قبرًا!
ـ[الطيماوي]ــــــــ[13 - 11 - 10, 03:37 م]ـ
يحمل البريد كل أسبوع نحوا من ثلاثين رسالة يبعث بها إلي سامعو أحاديثي في الإذاعة وقراء مقالاتي في الصحف ولكني لم أجد فيها كلها مثل الرسالة التي تلقيتها أمس. رسالة من أم، جاءتني في "يوم الأم" ليس فيها من فصاحة اللفظ شيء ولكنها في البلاغة آية من الآيات وهل البلاغة إلا أن تقول ما يصل بك إلى الغاية ويبلغ بك القصد؟ تقول هذه الأم أنها سمعت بعيد الأم ولكنها لم تره وعرفت شقاء الأم بالولد ولكنها لم تعرف بر الولد بالوالدة وهي لا تشكو عقوق ولديها فهما صغيران ما بلغا سن العقوق ولكنها تشكو ضيق ذات اليد وفقد المسعد والمعين، وأنها تصبر النفس حينا ويتصرم أحيانا صبرها، وتسألني أتطلق الولدين من أسر المدرسة وتبعث بهما يتكسبان دريهمات تعينهما على العيش؟ وتسأل ماذا تجني منهما إن درسا وهي لا تملك ثمن
¥